وآتت أُكلها نُصرتين

آل علي عليهم السلام

وآتت أُكلها نُصرتين

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-02-2020

خُطَى الخُزَاعي
لم تكن أُم البنين على هامش الحدث على الرغم من عدم حضورها ميدان كربلاء؛ بل كانت من مُقدَّمي شخوص الملحمة الكبرى ومُبَرزيها في الإعداد ابتداءً، وفي الأعلام استمرارًا، ترجموا لها فوصفوها بالقول: ((هي من بيت عريق في العروبة والشجاعة... وكانت شاعرة فصيحة))([1])، وأيضًا: ((وكانت من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت (عليهم السلام)، كما كانت فصيحة بليغة لَسِنة ذات تقى وزهد وعبادة))([2]).
فكربلاء الملحمة كان لها من الأهمية النصيب الأوفر، مقروءًا ذلك بوضوح من سيرة المعصومين (صلوات الله عليهم) في تعاطيهم المسبق مع الحدث على مستوى القول والعمل، فكانوا مهتمين بإعداد الشخصيات المساندة لأبي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) على النحو الأكمل، ليقدِّموا في النهاية أفضل النماذج المناصرة في ذلك اليوم الذي لم يسبق قبلًا أو يتكرر فيما بعد، فكانت أم البنين (سلام الله عليها) أنموذجًا منتقى مساهمًا في هذا الاهتمام الملحوظ والإعداد المبكر.
ولو رجعنا إلى ما قيل في شأن أم البنين (سلام الله عليها) من أوصاف نجدها وصفت بأنَّها من بيت عريق عربي شجاع، وأنَّها فاضلة عارفة بحق أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ذات زهد وتقى وعبادة، فيتجلَّى من هذه الصفات جانبين أولهما: عراقة الأصل وطيب المنبت، وثانيهما الاعتقاد الحق بأهل البيت مع خلق عالٍ وعبادة (أي ذات دين متكامل)، وهما جانبان مؤثران في الوراثة أولًا والتنشئة ثانيًا، فاستحقت لأجل ذلك أن تنتخب من لدن العقل الكامل لأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) لتثمر نتاجًا كأبي الفضل العبَّاس وأخوته (سلام الله عليهم) وهو القائل: ((فتلد لي غلامًا فارسًا))([3])، فقد تجلَّت في العباس (صلوات الله عليه) شجاعة والده أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، معزَّزة بشجاعة أخواله على نطاق الوراثة، وأمَّا على نطاق التنشئة وأثر العقيدة والإيمان في إعداد أبي الفضل (صلوات الله عليه) فالقول للإمام الصَّادق (صلوات الله عليه) في بيانهما مع العمل فيقول: ((كان عمي العباس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاء حسنًا، ومضى شهيدًا))([4])، فكانت صفاتها (سلام الله عليها) وتربيتها مساهمة في إعداد بطل كربلاء صاحب البصيرة والإيثار، فيجرُّنا هذا إلى القول باطمئنان أنَّها قد شاركت منتصرةً لأبي عبد الله (صلوات الله عليه) في كربلاء بمشاركة أولادها -الذين قد أعدتهم على مدى أعمارهم لذلك اليوم- فعظمت من مشاركة وجلَّت من نصرة.
أمَّا ما بعد كربلاء والمهمة الأُخرى لأُم البنين (سلام الله عليها) وهي الإعلام والتبليغ عن الواقعة برثاء وندبة وبكاء، ومن هذا الجانب كانت مؤهلة كذلك وهذه المهمة، إذ قيل فيها من المزايا ما يتناسب وهذا الشأن فنجد أنَّها قد وصفت بالشاعرة والبليغة والفصيحة واللَسِنة، متخذةً من البقيع مركز إعلام، ومن قبوره الرمزية شواهد إدانة لسلطة متهتكة ظالمة، وكان الناس يجتمعون حولها ويستمعون لندبتها فيطلعون على بعض ما جرى في كربلاء المتضمن في أشعارها، فيتأثرون بكلامها ويبكون لبكائها فتوثِّق بهذا الفعل نصرةً أُخرى([5]).
فأجادت (صلوات الله عليها) في كلا الدورين، وأغنت كلتا المهمتين وظلت محتسبة صابرة إلى أن وافاها الأجل في الثَّالث عشر من شهر جمادى الآخرة من سنة أربع وستين من الهجرة النَّبويَّة على قول.
 فجزاها الله عنا أفضل الجزاء وسلام عليها متصل نرجوا به شفاعتها وشفاعة قمرها في يوم الحساب...
الهوامش:
[1])) أعيان الشيعة: محسن الأمين (ت: 1371): 8/389.
[2])) زينب الكبرى (صلوات الله تعالى وسلامه عليها)، جعفر النقدي: 1/11.
[3])) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، أحمد بن علي الحسيني (ت: 828): 357.
[4])) مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي (ت: 1405): 4/350.
[5])) ينظر: مقتل الحسين (عليه السلام)، أبو مخنف الأزدي (ت: 157): 181.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3183 Seconds