عابد قريش يُمثل بجسده الطاهر.

علي ومعاصروه

عابد قريش يُمثل بجسده الطاهر.

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-02-2020

الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.
فالحديث عن الصَّحابة الخلَّص الذين بذلوا أنفسهم في سبيل الله، واختاروا الشهادة بين يديّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لنصرة الدين، يتطلب لنا بيان حياة هؤلاء الشجعان الذين تسابقوا في الدفاع عن الإسلام الحقيقي مصممين على نيل الشهادة التي فيها رضى الله تعالى.
ومن هؤلاء الليوث الذين كانوا قريبين جداً من أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى عد من أولاده (عليهم السلام) هو محمد بن أبي بكر بن عثمان بن عامر القرشيّ، التيميّ، أبو القاسم المدنيّ، ربيبُ الامام عليّ (عليه السَّلَام)، وأمير مصر من قِبله.
ولد بين مكة والمدينة في حجة الوداع (سنة 10 هـ)، ونشأ بالمدينة في حجر أمير المؤمنين، وكان (عليه السّلام) قد تزوَّج أمّه أسماء بنت عُميس بعد وفاة أبيه.
نشأ في حِجر الإمام (عليه السَّلَام)[1]إلى جانب الحسن والحسين (عليهما السَّلَام)، وامتزجت روحه بمعرفة أهل البيت (عليهم السَّلَام) وحبِّهم، وكان محمّد في مصر أيّام حكومة عثمان، وبدأ فيها تعنيفه وانتقاده له[2]، واشترك في الثورة عليه[3].
 وكان إلى جانب الإمام (عليه السَّلَام) بعد تصدّيه للخلافة، وهو الذي حمل كتابه إلى أهل الكوفة قبل نشوب حرب الجمل[4]، وكان على الرجّالة فيها[5]، وبعد انتصار الإمام (عليه السَّلَام) في معركة الجمل تولّى متابعة الشؤون المتعلّقة بعائشة بأمر الإمام (عليه السَّلَام)[6]، وأعادها إلى المدينة[7].
كان محمّد من المجدّين في الجهاد والعبادة، ومن أصفياء أصحاب الإمام عليّ (عليه السّلَام)، جريئاً في الحقّ، موصوفاً بالعبادة، والاجتهاد، فكان يدعى (عابدُ قريش)[8]، لنسكه وزهده .
ولمحمد بن أبي بكر صلة نسبٍ مع الإمام الصَّادق (عليه السلام)، فهو جد الإمام الصَّادق (عليه السَّلَام) لأمه، لأن أم الإمام الصادق (عليه السَّلَام) هي أم فروة، وقيل اسمها فاطمة وكنيتها أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر[9].
وكان محمّد تلميذًا نابهًا في مدرسة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجارياً عنده مجرى أولاده، رضع الولاء والتشيّع مُذ زمن الصبا، فنشأ عليه، فلم يكن يعرف له أباً غير عليّ، حتى قال الإمام عليّ (عليه السلام) في حقِّه: (محمّد ابني من صلب أبي بكر)[10].
 كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يثني عليه ويفضّله؛ لما له من عبادة وكرم خُلق، وقد ولَّاه الإمام عليّ (عليه السّلام) إمارة مصر في سنة سبع وثلاثين، وقيل: ثمان وثلاثين.
وقد كتب (عليه السَّلَام) له كتاباً جاء فيه: (هذا ما عهد به عبد اللَّه علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولَّاه مصر، أمره بتقوى اللَّه بالسر والعلانية، وخوف اللَّه تعالى في المغيب والمشهد، وأمره باللين على المسلم، والغلظ على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمة.. وأمره أن يجبي خراج الأرض، وأمره أن يحكم بين الناس بالحقّ، وأن يقوم بالقسط ولا يتبع الهوى، ولا يخاف في اللَّه لومة لائم، فإنّ اللَّه مع من اتقاه، وآثر طاعته على مَن سواه)[11].
وروي أنه كتب (عليه السَّلَام) إليه: (ثم اعلم يا محمد أني قد وليتك أعظم أجنادي، أهل مصر، وولَّيتك ما ولَّيتك من أمر الناس، فأنت محقوق أن تخاف فيه على نفسك وتحذر فيه على دينك ولو كان ساعة من نهار، وانظر يا محمد صلاتك كيف تصلَّيها، فإنما أنت إمام ينبغي لك أن تتمّها وأن تخفّفها، وأن تصليها لوقتها... واعلم يا محمد أنّ أفضل الفقه الورع في دين اللَّه، والعمل بطاعته، فعليك بالتقوى في سرّ أمرك وعلنيته)[12].
ولما عاد الإمام علي (عليه السَّلَام) بعد التحكيم إلى العراق، بعث معاوية عمرو بن العاص بجيش من أهل الشام إلى مصر، فالتقى هو وعسكر محمد بن أبي بكر ودارت معارك شديدة انتهت بدخول ابن العاص مصر، فاختفى ابن أبي بكر، فعرف (معاوية بن خُديج السكوني) مكانه، فقبض عليه، وقتله، ودسّه في بطن حمار ميت وأحرقه، وذلك في - سنة ثمان وثلاثين.
فلما بلغ ذلك علياً (عليه السّلام) حزن عليه حتى رُئي ذلك فيه، وتبيّن في وجهه، وقام في الناس خطيباً، فقال: ((ألا وإنّ محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمة اللَّه عليه، وعند اللَّه نحتسبه، أما واللَّه لقد كان ما علمت ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحبّ سمت المؤمن))[13].
وقيل لعلي (عليه السّلام)، لقد جزعت على محمد بن أبي بكر يا أمير المؤمنين؟ فقال: ((وما يمنعني، إنّه كان لي ربيباً، وكان لبَنيّ أخاً، وكنت له والداً، أعدّه ولداً))[14].
فهذه اطلالة وجيزة عن حياة ربيب أمير المؤمنين (عليه السلام) والدور البطولي في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) فسلام على محمد ابن أبي بكر يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًّا، ولعنة الله على من تولى التمثيل بجسده الطاهر وحرقه في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمَّد وآل محمَّد الطَّيِّبين الطَّاهِرِين...
الهوامش
[1]الاستيعاب، ابن عبد البر 3 / 422 / 2348، 4751؛ الإصابة، ابن حجر: 6/194/8313.
[2] الكامل في التاريخ: 2 / 254 .
[3] الطبقات الكبرى، ابن سعد: 3/73؛ أنساب الأشراف، البلاذري: 6/163.
[4]  تاريخ الطبري: 4/477 ، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2/326.
[5] تاريخ الإسلام، الذهبي: 3/485.
[6] تاريخ الطبري : 4/477 ، الكامل في التاريخ، ابن الأثير 2 / 326 .
[7] تاريخ الإسلام، الذهبي : 3/485، الاستيعاب، ابن عبد البر: 3 / 422 / 2348.
[8] الأعلام، الزركلي: 6/220.
[9] الأنوار العلوية، الشيخ جعفر النقدي:452.
[10] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 6/53.
[11] ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الخوئي: 5/ 112-113.
[12] ينظر: المصدر نفسه: 19/62-63.
[13] موسوعة طبقات الفقهاء: 1/514.
[14] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: 33/566؛  ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: 1/513-514.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.7751 Seconds