البَاحِث: محمَّد حمزة الخفاجي
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلنَّاشِرِ فِي اَلْخَلْقِ فَضْلَهُ وَاَلْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً وَبِذِكْرِهِ نَاطِقاً فَأَدَّى أَمِيناً وَمَضَى رَشِيداً . . .
وبعد . . .
منذ أن خلق الله آدم (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في صلبه، ولا زال نور النبي ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) ينتقل في أصلاب النبين والصديقين والصالحين من الخلق، حتى استقر في صلب عبد الله بن عبد المطلب (عليهما السلام)، ثم اختار له تعالى آمنة بنت وهب لتكون أُمّاً لمحمد (صلى الله عليه وآله).
عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قال: كتبت للنبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية[1].
فكما اختار له سبحانه أكرم الأصلاب، فقد اختار له أطهر وأشرف الأرحام، فهؤلاء هم أسرة النبي (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
وروي عن النبي الأكرم (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) أنه قال: (لمّا خلق اللَّه آدم أودع نوري في جبينه فما زال ينقله من الآباء الأخاير إلى الأُمّهات الطواهر حتّى انتهى إلى عبد المطَّلب)[2].
ومن كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) يصف فيه عظيم قدر هذه الأسرة الطاهرة بقوله (عليه السَّلَام): (أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ)، فأسرة النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) خير الأسر كما أن شجرته خير شجرة.
فكان من منن الله على أنبيائه وأوليائه أن وضعهم في أصلاب شامخة وأرحام مطهرة، وكل ذلك يعود إلى طهارتهم، فسبحانه وتعالى وجدهم طيبين طاهرين طائعين فمنَّ عليهم بهذه النعمة في أصالة النسب، وهي أول النعم وأفضلها.
فمن خطبة له (عليه السلام) قال فيها: (وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه وسَيِّدُ عِبَادِه، كُلَّمَا نَسَخَ الله الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَه فِي خَيْرِهِمَا)[3].
قال الراوندي: (يعنى أن محمدا (صلى اللّه عليه وآله) كان في ظهر إبراهيم، فلما ولد لإبراهيم إسماعيل وإسحاق كان محمد (صلى الله عليه وآله) في ظهر أفضلهما وهو إسماعيل أبو العرب، [ثم كان في قريش دون الآخرين من العرب]، ثم كان في هاشم أفضل الإخوة، إلى أن كان في ظهر عبد الله خير إخوته)[4].
والعلة في وضع هؤلاء الكرام في أطهر الأصلاب، وأشرف الأرحام، وأكرم الأسر، لكي لا يعابوا في حسبهم ونسبهم وطهرهم، ولتكون الحجة أبلغ، فالرسالة السماوية تأمر بالعدل والطهر، وبكل ما هو خير للبشرية، لذا وقع الاختيار على هؤلاء الطاهرين ليمثلوا الدين الحنيف بكل ما يملك من أصالة وقيم ومبادئ سامية.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله خلق الخلق ففرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم شعوبا فجعلني في خير شعبه، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خير بيت، ثم اختار من أهل بيتي أنا وعليا وجعفرا فجعلني خيرهم)[5].
فمن هنا نعرف أن لعبد الله وآمنة شأن كبير عند الله، لذا أودعهم ذلك النور ليكونوا وعاءً وحفظاً لهذا المولود العظيم.
وسبحانه وتعالى اعتمد على هذه الأسر العريقة والبيوتات الصالحة في نشر الدعوة، لذا صارت بيوتهم مهبط وحيه، فمن هذه البيوت تصدر الأحكام وتشرع القوانين .
الهوامش:
[1] - الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج1، ص60، وعن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن حسين أن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال إنما خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم لم يصبني من سفاح أهل الجاهلية شئ لم أخرج إلا من طهره، المصدر نفسه، ص61.
[2] - شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج4، ص32.
[3] - نهج البلاغة، الخطبة: 214.
[4] - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين الراوندي، ج2، ص343.
[5] - الخصال، الشيخ الصدوق، ص559.