الباحث: محمد حمزة الخفاجي
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ...
أَمّا بَعْدُ...
فإن هذه الآفات والأوبئة التي تحدث في العالم إنما لها أسباب ومسببات، وإن كان بعضها من صنع البشر لكننا نؤمن أن ذلك بإرادة الله (عز وجل)، ومهما يكن نوع البلاء فإن المشيئة الربانية تتغلب على مشيئة المخلوقين، وإنما يبتلي الله عباده بمثل هذه الآفات والأوبئة لعلهم يرجعون اليه في ملماتهم، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا رأيت الله سبحانه يتابع عليك البلاء فقد أيقظك)[1].
وقد تنعكس هذه الآفات الى السلب فيعتقد البعض أن هذه الأمراض والأوبئة قد تطول وتدوم وكأنما الله لم يقدر على ردها وحدها، وحاشا لله أن يكون عاجزا عن ذلك، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[2].
قال الإمام الصادق (عليه السلام) للمفضل (أشرح لك الآن الآفات الحادثة في بعض الأزمان التي اتخذها أناس من الجهال ذريعة إلى جحود الخالق والخلق والعمد والتدبير، وما أنكرت المعطلة والمنانية من المكاره والمصائب وما أنكروه من الموت والفناء، وما قاله أصحاب الطبائع، ومن زعم أن كون الأشياء بالعرض والاتفاق ليتسع ذلك القول في الرد عليهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون؟.
اتخذ أناس من الجهال هذه الآفات الحادثة في بعض الأزمان كمثل الوباء واليرقان والبرد والجراد ذريعة إلى جحود الخلق والتدبير والخالق، فيقال في جواب ذلك:
إنه إن لم يكن خالق ومدبر فلم لا يكون ما هو أكثر من هذا وأفظع؟ فمن ذلك أن يسقط السماء على الأرض، وتهوي الأرض فتذهب سفلا، وتتخلف الشمس عن الطلوع أصلا، وتجف الأنهار والعيون حتى لا يوجد ماء للشفة، وتركد الريح حتى تحم الأشياء وتفسد، ويفيض ماء البحر على الأرض فيغرقها. ثم هذه الآفات التي ذكرناها من الوباء والجراد وما أشبه ذلك ما بالها لا تدوم وتمتد حتى تجتاح كل ما في العالم ؟ بل تحدث في الأحايين ، ثم لا تلبث أن ترفع ؟)[3].
فالذي أمسك السماء بغير عمد وأتقن كل شيء في الوجود هو قادر على رفع أي بلاء كان، قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[4].
نعم قد تُؤدي بعض الابتلاءات الى الشرك بالله والعياذ بالله من ذلك، وقد تطول مدة البلاء وهذا ما يسبب خللاً في العقيدة، ولكن سرعان ما يرفع الله البلاء عن الناس فيعرفوا أن الله أقوى من كل شيء، فيرجعوا إليه ويتيقنوا أن كل ما يحدث من أمور قد نراها وقد لا نراها إنما هي من عند الله، ومرجعها إلى الله، فإن شاء رفعها وإن لم يشأ ذلك فبيده الأمر، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في تكملة حديثه للمفضل (أفلا ترى أن العالم يصان ويحفظ من تلك الأحداث الجليلة التي لو حدث عليه شيء منها كان فيه بواره، ويلذع أحيانا بهذه الآفات اليسيرة لتأديب الناس وتقويمهم، ثم لا تدوم هذه الآفات بل تكشف عنهم عند القنوط منهم فيكون وقوعها بهم موعظة وكشفها عنهم رحمة)[5].
فمن كلام الإمام الصادق (عليه السلام) نعرف علة البلاء وسبب ابتلاء الناس بهذه الأمراض، فسبحانه وتعالى يريد لعبادة الرجوع إليه في الملمات لتندفع البلايا، وتنكشف الرزايا بفضله، وتأمن الناس برحمته، حتى يروا أن الله لم يبتليهم بهذا البلاء إلا لأنه رحمة لهم وتذكرة بيوم الحساب، وليعرفوا أيضاً أن الدنيا دار بلاء ودار زوال يقول الإمام علي (عليه السلام) واصفا الدنيا: (دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ، لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا ولَا يَسْلَمُ نُزَّالُهَا، أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ والأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ، وإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ، تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وتُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا)[6].
فلا يسلم من الدنيا إنسان لذا لا بد من التوبة والرجوع إلى الله بالدعاء والاستغفار قبل فوات الأوان....
الهوامش:
[1] - عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي: 135.
[2] - سورة يس :82.
[3] - التوحيد، المفضل بن عمر الجعفي: 110.
[4] - سورة يس: 37 – 40.
[5] - التوحيد، المفضل بن عمر الجعفي: 111.
[6] - نهج البلاغة، الخطبة: 226/ 348.