سبب خروج الإمام الكاظم من المدينة إلى بغداد

مقالات وبحوث

سبب خروج الإمام الكاظم من المدينة إلى بغداد

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-07-2020

الباحث: محمد حمزة الخفاجي

إن وجود شخصية كشخصية الإمام الكاظم (عليه السَّلَام) تسبب قلقًا كبيراً على السلطة في الدولة العباسية، فهو إمام زمانه والحُجَّة عليهم، وإن أنكروا ذلك ظاهراً إلا أنهم يعلمون جيداً أنَّه الحجة الذي أمر الله بطاعته، فالملامح ظاهرة لا تخفى على الجميع؛ إذ السكينة والطمأنينة تلوح للناظر، فذلك راهب آل البيت (عليهم السَّلَام)، ولكن حبّ الجاه والسَّلطان أفسد حالهم فعمت قلوبهم، وصمت آذانهم، حتى صاروا يقتلون الحجج كما أنَّ اليهود قتلوا أنبياءهم طمعاً بالدنيا.
 لقد قام هارون (لعنه الله) بإخراج الإمام الكاظم (عليه السَّلَام) من المدينة إلى بغداد، وقد جعل عليه عيونًا يراقبونه ويراقبون شيعته؛ لأنَّه كان يراه المنافس الأول له على السلطان، ولذا بعث له من رجاله فنقلوه في الليل سرًّا خوفًا من انقلاب الناس عليه،  فكم من ثورة أججت على تلك الحكومة الفاسدة، ولكن للأسف كل المحاولات لم تنتهِ بأهدافها إلى ما كانت تصبوا إليه من اسقاط الحكومة الفاسدة، ولذا كان هارون خائفًا من انقلاب الناس عليه وعلى حكومة بني العبَّاس .
يروى: أنَّ السبب كان في إحضار الإمام موسى بن جعفر (عليه السَّلَام) إلى بغداد أنَّ هارون أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة، وكان له من البنين أربعة عشر ابنا فاختار منهم ثلاثة: محمد بن زبيدة، وجعله ولي عهده، وعبد الله المأمون، وجعل الأمر له بعد ابن زبيدة، والقاسم المؤتمن، وجعل الأمر له بعد المأمون، فأراد أن يحكم الأمر في ذلك، ويشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام[1].
ولمَّا عزم هارون (لعنه الله) على أمره صار يكيد للإمام (عليه السَّلَام) وينصب له حبائله كي يزجه في السجن، من أجل أن يطمأن قلبه، ويحفظ ملكه؛ لأنَّ وجود الإمام بين الناس يسبب له اضطرابات لا يكاد يسيطر عليها إلا بسجن الإمام أو قتله.
روى إبراهيم بن أبي البلاد أنَّه: (كان يعقوب بن داود يخبرني قد قال بالإمامة فدخلت عليه بالمدينة في الليلة التي أخذ فيها موسى بن جعفر (عليهما السَّلَام)، في صبيحتها فقال لي: كنت عند الوزير السَّاعة يعنى يحيى بن خالد فحدثني أنَّه سمع الرشيد يقول عند قبر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، كالمخاطب له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنِّي أعتذر إليك من أمر قد عزمت عليه؛ فإنَّي أريد أن آخذ موسى بن جعفر فأحبسه؛ لأنِّي قد خشيت أن يلقى بين أمتك حربًا تسفك فيها دماؤهم، وأنا أحسب أنَّه سيأخذه غدًا فلمَّا كان من الغد أرسل إليه الفضل الرَّبيع، وهو قائم يصلّي في مقام رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فأمر بالقبض عليه وحبسه)[2].
هذا هو النفاق بعينه، فهؤلاء الشياطين يقتلون أبناءه ويستأذنونه بحبسهم وإيذائهم، وكان هارون (لعنه الله تعالى) يعلم جيداً مكانة أبناء فاطمة (عليهم السَّلَام) عند الله تعالى ورسوله (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، فقد روي عن الفضل أنَّه قال لهارون: (أردت أن تعاقبه [يعني للإمام الكاظم (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)] فخلعت عليه وأكرمته؟! فقال لي: يا فضل، إنَّك لمَّا مضيت لتجيئني به رأيت أقوامًا قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون: إن آذى ابن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) خسفنا به، وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه، فتبعته (عليه السَّلَام) فقلت له: ما الذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء جدِّيّ عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلا هزمه، ولا إلى فارس إلا قهره، وهو دعاء كفاية البلاء.
 قلت: وما هو؟ قال: قلت: اللهم بك أساور، وبك أحاول، وبك أجاور، وبك أصول، وبك أنتصر، وبك أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . اللهمَّ إنَّك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد بلطف ما خولتني  وأغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قومتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوت أجبتني، يا سيدي ارض عنِّي فقد أرضيتني)[3].
وفي رواية أُخرى أنَّ هارون (لعنه الله تعالى) رأى في منامه رجلًا اسود قد سلَّ سيفه وقعد على صدره، وأمره بإطلاق سراح الإمام؛ فخاف هارون وأمر بإطلاق سراحه[4].
وعلى رغم من تلك الحجج التي راها هارون إلا أنَّه رجع على ضلالته فقتل الإمام غيلة وهو في السجن فكان ذلك من أبشع ما اقترفه هذا الحاكم الجائر، ذلك أنَّه أراد أن يطفأ نور الولاية؛ ولكنَّ الله يأبى إلا أن يتمَّ نوره بالحجج الكرام.
فنسأل الله تعالى التَّعجيل بظهور صاحب الزَّمان؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملأت ظلماً وجورًا.

الهوامش:
[1] - ينظر: بحار الأنوار: 48/207.
[2] - عيون أخبار الرِّضا (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) الشيخ الصَّدوق: 1/73.
[3] - مدينة المعاجز: 6 / 323.
[4] - ينظر بحار الأنوار: 48 / 413.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2855 Seconds