صحة نسب أمية إلى قريش

مقالات وبحوث

صحة نسب أمية إلى قريش

15K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 02-10-2020

بقلم: م. م. علي حسين الموسوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
تعد أسرة بني أمية من الأسر التي أخذت حيزاً في التاريخ العربي قبل الإسلام، والتاريخ الإسلامي فيما بعد، وذلك لاشتراك أفراد هذه الأسرة في النشاطات الاجتماعية والسياسية والدينية قبل الإسلام، وبعده، إذ تمتع الامويون بنفوذ واسع قبل الإسلام في مكة، وكان لهم دور واضح في مناهضة الدعوة الإسلامية التي جاء بها نبي الرحمة محمدa، إذ حاولوا بشتى الوسائل وئد هذه الدعوة في مهدها الأول، ولكن استطاعوا بعد مدة وجيزة من الانخراط في النشاطات السياسية لا سيما بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله، فكان لهم ما أرادوا إذ وصلوا إلى مبتغاهم في استلام مقاليد السلطة السياسية في الدولة الإسلامية.
والأمويون قيل أنهم ينتسبون إلى أمية بن عبد شـمس بـن عبد مناف بن قصي([1]) وهم صنفان: الأعياص([2]) والعنابس([3]) فالأعياص هم: العاص وأبو العاص، والعيص وأبو العيص، والعويص، وأبو عمرو، وكما قال فيهم الشاعر، فضالة بن شريك:

من الأعياص أو من آلِ حرب                                    أغرٍّ كغُرِة الفَرسِ الجوادِ([4])
أما العنابس هم: حرب وأبو حرب، وسفيان وأبو سفيان، وعمرو وأبو عمرو، فبنو مروان وعثمان من الأعياص، ومعاوية وابنه من العنابس([5])، واختلف في عدد أبنائهم([6]).
وذهبت العديد من الروايات إلى أن بني أمية ليسوا من قريش، وإنما نسبوا وألصقوا بهم، وسنأتي على هذه الروايات التي تبين نسبهم، إذ روي (أن أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فوقع على امرأة يهودية من أهل صفورية([7]) يقال لها ترنا، وكان لها زوج يهودي فولدت له ذكوان فادعاه أمية واستلحقه وكناه أبا عمرو، ثم قدم به مكة، فلذلك قال النبي محمدa لعقبة بن أبي معيط([8])، يوم أمر بقتله: إنما أنت يهودي من أهل صفورية)([9]).
ولعل ما ذكره ابن أبي الحديد من أبيات قالها أبو طالب عندما تظاهرت قريش عليه وعلى النبي محمد صلى الله عليه وآله فيها إشارة واضحة إلى نسبهم جاء فيها:

قديماً أبوهم كان عبداً لجدنا                بني أمة شهلاء جاش بها البحر([10])
وجاء في بعض المصادر إنه، عندما أمر الرسول محمد صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام بعد غزوة بدر بقتل عقبة بن أبي معيط، قال له: (يا محمد ألم تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبراً، قال: أفأنت من قريش؟ إنما أنت علج من أهل صفورية، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعي له، لست منها)([11])، أي أن عقبة بن أبي معيط كان من رجل آخر، وذلك الرجل الآخر من أهل صفورية، ونسب إلى أبي معيط زوراً وكذباً([12])، في حين جاء قول الإمام الحسن عليه السلام للوليد بن عقبة ابن أبي معيط([13])، في مناظرة بينهما، ليدلل على المعنى ذاته، وما أنت وقريش؟ إنما أنت علج من أهل صفورية، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد، وأسن ممن تدعى إليه([14]).
ونستدل من شهادة الرسول صلى الله عليه وآله وسبطه الإمام الحسن عليه السلام على عدم صحة نسبه إلى قريش.
وروي (أن أمية عاهرٌ ضعيف النفس، وذلك أنه تعرض لامرأة من بني زهرة، فضربه رجل منهم بالسيف، فأراد بنو أمية ومن تبعهم، إخراج بني زهرة من مكة، فقام دونهم قيس بن عدي السهمي([15]) وكانوا أخواله، وكان منيع الجانب، شديد العارضة، حمي الأنفس، فقام دونهم وصاح: (أصبح ليل) فذهب مثلاً، ونادى: الآن الضاعن مقيم، وفي هذه القصة يقول وهب بن عبد مناف بن زهرة [16] جد الرسول محمد صلى الله عليه وآله:

مهلاً أميّ فإنّ البغي مهلكة
                        لا يكســبنك يوم شـــره ذكـــر
تبدو كواكبــه والشمس طالعة
                    يصيب في الكأس منه الصبر والمقر([17])
وفي رواية للكلبي([18])، جاء فيها ان قريش فيها جماعة ممن أشتهروا بالزنا، ومنهم أمية بن عبد شمس، وأبو سفيان بن حرب([19])، وعبد الرحمن بن الحكم بن العاص([20])، أخو مروان بن الحكم وولده بالشام.
وذكر المرزباني([21]) في معجم الشعراء، أن القلاخ العنبري الشاعر المعمر، التقى معاوية بن أبي سفيان وكان له معه خبر يذكر فيه إنه ولد قبل مولد الرسول صلى الله عليه وآله، وأنه رأى أمية بن عبد شمس بعدما ذهب بصره، يقوده عبد أفيحج([22]) من أهل صفورية، يقال له ذكوان، فقال له معاوية: مه، ذاك ابنه ذكوان، فتراجعا في ذلك، فقال القلاخ:

يُسائلـني معاويةُ بن هـــــندٍ                    لقيت أبا شلالة، عبد شـمــس؟

فقلت له: رأيت أباك شيـخاً                   كبيــراً لسن مضروباً بطـــمس([23])

يقــود به أفيحج عبدُ ســـوءٍ                    فــقــال بــل ابنه ليـزيل لـــبــسي
ونستدل مما تقدم أن نسب بني أمية هو ليس من نسب قريش، ولا يمت بأي صلة لهم، وأنهم ألصقوا بهم وهذا ما ورد في تلك الروايات([24]).

الهوامش:
[1] الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ الزبيري، نسب قريش، 99؛ ابن قتيبة، المعارف، 73؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 5/8؛ ابن حزم الأندلسي، جمهرة انساب العرب، 78؛ السمعاني، الأنساب، 1/209.
[2] الأعياص، لقبوا بهذا الاسم لتشابه أسمائهم، لأنها أسماء أصول، وقيل لجودهم وكرمهم كما في قول الشاعر أعلاه ، ينظر، الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ الزبيري، نسب قريش، 99؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني. 1/14.
[3] العنابس، العنبس، الأسد ومنه سمي الرجل، وهو فنعل من العبوس، ينظر، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 4/366؛ وسمي العنابس بهذا الاسم، لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية في حرب الفجار وعقلوا أنفسهم، وقاتلوا قتالاً شديداً فشبهوا بالأسد، ينظر، الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ الزبيري، نسب قريش، 100؛ ابن قتيبة، المعارف، 73؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني. 1/14؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15/203.
[4] الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني. 1/14؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15/203.
[5] الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ الزبيري، نسب قريش، 99؛ ابن قتيبة، المعارف، 73؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 5/8؛ ابن حزم الأندلسي، جمهرة انساب العرب، 78؛ السمعاني، الأنساب، 1/209.
[6] للمزيد من التفاصيل، ينظر، العلي، كفاية طارش، الأسر الأموية التي لم تتولى الخلافة، 3.
[7] صفورية، وهي كورة وبلدة من نواحي الأردن بالشام، وتقع بالقرب من طبرية، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2/414.
[8] عقبة بن أبي معيط، إبان بن أبي عمرو بن أمية،، وأم عقبة، آمنة بنت كليب بن ربيعة، وعقبة هو عدو رسول اللهa وحاول خنقه وهو يصلي، وأسر يوم بدر، وأمر بقتله، فقتله الإمام عليg، وقيل النضر بن الحارث، ينظر، الصفدي، الوافي بالوفيات، 20/59.
[9] ابن قتيبة، المعارف، 319؛ المقريزي، إمتاع الأسماع، 10/6.
[10] شرح نهج البلاغة، 15/176.
[11] القمي، تفسير القمي، 1/720؛ الطبرسي، مجمع البيان، 4/460؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 41.
[12] العاملي، الصحيح من السيرة، 5/105.
[13] الوليد بن عقبة بن أبي معيط، واسم أبي معيط إبان بن أبي عمرو، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس، أم عثمان بن عفان، فالوليد بن عقبة أخو عثمان لأمه، أسلم يوم الفتح، ولاه عثمان الكوفة، وكان يشرب الخمر وصلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات في مسجد الكوفة، وجلد لشربه الخمر، توفي بالرقة ’ ينظر. ابن عبد البر، الاستيعاب، 751؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 63/218.
[14] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/229.
[15] قيس بن عدي ابن سعد السهمي، وأمه هند بنت عبد الدار بن قصي، وهو ممن أسلم يوم فتح مكة، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله حنيناً، وأعطاه من غنائم حنين مائة من الأبل، وبيّن ابن سعد أن هناك خطأ في اسمه من الرواة ولعلهم أرادوا أحد ولده، لأن قيس بن عدي لم يدرك الرسول صلى الله عليه وآله، وأدركه ابنه الحارث بن قيس، وكان من المستهزئين به، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى،6/107.
[16] وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، من قريش، وسيد بني زهرة قبيل الإسلام، وهو ابو آمنة بنت وهب أم الرسولa وكانت كنيته أبا كبشة، فلما ظهر النبي وناوأته قريش كانوا ينسبون إليهa، ينظر، الزبيري، نسب قريش، 261.
[17] ابن حبيب، المنمق، 41؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15/156؛المقريزي، النزاع والتخاصم، 40.
[18] مثالب العرب، 18.
[19] ابو سفيان بن حرب صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أسلم يوم الفتح، وقد كان على رأس المشركين في أحد وهو على رأس الأحزاب (يوم الخندق) وكان من الطلقاء يوم الفتح، ومن المؤلفة قلوبهم، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى،6/5؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 813.
[20] عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو مطرف، ويقال أبو حرب، سكن دمشق، وكان شاعراً محسناً أدرك عائشة وكان رجلا يوم الدار، والمقصود به يوم قتل عثمان بن عفان، وكان يتهم بنساء اخوته ، وهوالذي انشد شعراً لمعاوية لما استلحق زياد بن أبيه، فغضب معاوية وطلب منه ان يعتذر لزياد، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 34/311.
[21] معجم الشعراء، 272؛ ينظر، ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 5/398.
[22] أفيحج، هو تصغير الأفحج، الذي في رجله إعوجاج، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 2/239.
[23] بطمس، أي ذهاب الشيء عن صورته، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 6/127.
[24] لمزيد من الاطلاع ينظر: نسب بني امية في نهج البلاغة، علي حسين الموسوي: ص27-32.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3495 Seconds