بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
يؤكد الإمام (عليه السلام) على أهمية الرقابة والمحاسبة للولاة لا سيما في استخدام المال الذي تحت أيديهم لما له من أثر في اقتصاد الدولة، فيقول.
«فَدَعِ الاِْسْرَافَ مُقْتَصِداً، وَاذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً، وَأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ،وَقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ أَتَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ وَأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ...»[1].
فيما جاء في كتاب آخر قوله (عليه السلام):
«أمّا بَعدُ؛ فَاحمِل ما قِبَلَكَ مِن مالِ اللّه؛ فَإِنَّهُ فَيءٌ لِلمُسلِمينَ، لَستَ بِأَوفَرَ حَظّا فيهِ مِن رَجُلٍ فيهِم، ولا تَحسَبَنَّ يَابنَ اُمِّ قُدامَةَ أنَّ مالَ كَسكَرَ[2] مُباحٌ لَكَ كَمالٍ وَرِثتَهُ عَن أبيكَ واُمِّكَ، فَعَجِّل حَملَهُ، وأعجِل فِي الإِقبالِ إلَينا، إن شاءَ اللّه»[3].
وأرسل الى أحد ولاته (عليه السلام) أيضًا وفيه:
«بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلهَكَ، وَأَغْضَبْتَ إِمَامَكَ: أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَخُيُولُهُمْ، وَأُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ، فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ، فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَئِنْ كَانَ ذلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ بِكَ عَلَيَّ هَوَاناً، وَلَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً، فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ، وَلاَ تُصلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ، فَتَكُونَ مِنَ الاَْخْسَرِينَ أَعْمَالاً»[4]
وتابع الإمام (عليه السلام) مراقبته إذ جاء في كتاب له الى أحد ولاته، وقد خان في بعض ما ولاه قوله:
«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ صَلاَحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ، وَظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ، وَتَسْلُكُ سَبِيلَهُ، فَإِذَا أَنْتَ فِيَما رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لاَتَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً، وَلاَ تُبْقِي لآخِرَتِكَ عَتَاداً، تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بَخَرَابِ آخِرَتِكَ، وَتَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ. وَلَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً، لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَشِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ، وَمَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْل أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ، أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ، أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ، أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَة، أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى خِيَانَة. فَأقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هذَا إِنْ شَاءَ اللهُ»[5].
وقد أشار للخيانة في كتاب آخر:
«وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الاْمَّةِ، وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الاْئِمَّةِ،... وَعِنْدَكَ من حق المسلمين خمسمائة ألف فابعث بها إلي ساعة يأتيك رسولي، وإلا فأقبل إليّ حين تنظر في كتابي، فإني قد قدمت رسولي إليك إلا يدعك أنَّ تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلا ان تبعث بالمال والسلام عليك»[6].([7]).
الهوامش:
[1] المصدر نفسه، خطبة 260، 12/227.
[2] كسكر: بالفتح ثم السكون، معناه عامل الزرع وهي كورة واسعة ينسب إليها الفراريج الكسكرية لأنها تكثر بها جداً، وقصبتها اليوم واسط التي بين الكوفة والبصرة، الحموي، معجم البلدان، 4/461.
[3] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، كتاب (29)، 15/402.
[4] المصدر نفسه، كتاب (51)، 17/24.
[5] المصدر نفسه، كتاب (310)، 19/412.
[6] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، كتاب (29)، 16/108.
([7]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص 224-226.