خصوصية يوم عاشوراء قبل فاجعة كربلاء وبعدها.

مقالات وبحوث

خصوصية يوم عاشوراء قبل فاجعة كربلاء وبعدها.

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-08-2021

المسألة الثانية: خصوصية يوم عاشوراء بعد فاجعة الطف عند أهل البيت (عليهم السلام).
بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي.

إن الخصوصية التي كانت ليوم عاشوراء قبل فاجعة الطف قد اختلفت بعد وقوعها، أي: أن نوعية الأعمال التي تؤدي إلى حصول القربة إلى الله تعالى في يوم عاشوراء قد اختلفت. فقد أصبح الصوم في يوم عاشوراء بقصد الشماتة وإظهار الفرح والسرور كما يفعله المنافقون والنواصب لآل البيت عليهم السلام من أكبر الموبقات التي تحط العمل وتحرز غضب الله عزّوجلّ كما دلت عليه الأحاديث الشريفة.

والتي منها:

1. روى ثقة الإسلام الكليني رحمه الله بسنده عن عبدالملك، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر محرم؟. فقال:

(تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام وأصحابه عليهم السلام بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين وأصحابه عليهم السلام وأيقنوا أن لا يأتي الحسين عليه السلام ناصر ولا يمده أهل العراق بأبي المستضعف الغريب.

ثم قال:

وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى حوله؛ أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام (غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم) وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطاً عليه، ومن ادخر فيه إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك)([1]).

2. وروى الكليني أيضاً، عن محمد بن عيسى بن عبيد عن جعفر بن عيسى أخيه، قال: سألت الرضا عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه؟ فقال:

(عن صوم ابن مرجانة تسألني! ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام؛ وهو يوم يتشاءم به آل محمد عليهم السلام ويتشاءم به أهل الإسلام، واليوم الذي لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلى الله عليه وآله، وما أصيب آل محمد صلى الله عليه وآله إلاّ في يوم الاثنين فتشاءمنا به وتبرك به عدونا، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين عليه السلام وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد صلى الله عليه وآله، من صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما)([2]).

3. وعنه أيضاً عن زيد، قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء؟.

فقال:

(من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد.

قال قلت: وما كان حظهم من ذلك اليوم؟، قال:

النار، أعاذنا الله من النار، ومن عمل يقرب من النار)([3]).

4. وروى الشيخ الطوسي رحمه الله عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن صوم يوم عرفة؟. فقال:

(عيد من أعياد المسلمين، ويوم دعاء ومسألة).

قلت: فصوم يوم عاشوراء؟. قال عليه السلام:

(ذلك يوم قتل فيه الحسين عليه السلام؛ فإن كنت شامتاً فصم).

ثم، قال:
(إن الصوم لا يكون للمصيبة، ولا يكون إلا شكراً للسلامة؛ وإن الحسين عليه السلام أصيب يوم عاشوراء فإن كنت ممن أصبت به فلا تصم؛ وإن كنت شامتاً ممن سره سلامة بني أمية فصم شكراً لله تعالى)([4]).

ومن هنا.. نجد أن أئمة أهل البيت عليهم السلام قد اتخذوا أيام محرم، أيام حزنهم وعزائهم ومواساتهم لجدهم المصطفى صلى الله عليه وآله لما نزل بولده وريحانته من الدنيا. فإذا كان يوم عاشوراء، عند أعدائهم يوم سرور وفرح فإنه عند أهل البيت يوم بكاء وتفجع. كما أشارت إلى ذلك العديد من الروايات.

أ ــ روى الشيخ الصدوق رحمه الله عن محمد بن علي ماجيلويه، قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن الريان بن شبيب، قال: دخت على الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم، فقال:

(يا بن شبيب، أصائم أنت)؟.
فقلت: لا.

فقال:
(إن هذا اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربه عزّوجلّ، فقال:
[ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ].

فاستجاب به، وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب:
[أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ].
فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عزوجل استجاب الله له، كما استجاب لزكريا عليه السلام».
ثم قال:
(يا بن شبيب، إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها صلى الله عليه وآله، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبدا.
يا بن شبيب، إن كنت باكيا لشيء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فإنه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً مالهم في الأرض من شبيه، ولقد بكت السماوات السبع والارضون لقتله، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره، وشعارهم يا لثارات الحسين.
يا بن شبيب، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب اذنبته، صغيراً أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً.
يا بن شبيب، إن سرك أن تلقى الله عزّوجلّ ولا ذنب عليك، فزر الحسين عليه السلام.
يا بن شبيب، إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متى ذكرته: يا يلتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.
يا بن شبيب، إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا فلو أن رجلا تولى حجرا لحشره الله معه يوم القيامة)([5]).
ب ــ وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في أماليه، عن إبراهيم بن أبي محمود قال، قال الرضا عليه السلام:
(إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيه من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا، إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام.
ثم قال عليه السلام:
كان أبي عليه السلام إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم، يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: (هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام)([6]).
فهذه الأحاديث الشريفة تكشف عن اختلاف العمل التقربي إلى الله تعالى في يوم عاشوراء قبل فاجعة الطف وبعدها. والعلة في ذلك تعود إلى السياسة التي اعتمدها بنو أمية في تغيير فحوى الخطاب الشرعي في جعل يوم العاشر من المحرم يوم فرح وسرور وإنفاق على العيال كي يرسخ في أذهانهم أنه يوم مبارك. فيلتبس الأمر على كثير من الناس وتضيع بينهم تلك الحادثة العظيمة التي انتهكت فيها حرمة الله ورسوله صلى الله عليه وآله.
فأي بركة بقيت في يوم عاشوراء وفيه ذبح الحسين بن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله مع أهل بيت وأصحابه عليهم السلام.
وأي سرور في يوم عاشوراء وقلب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قطَّعهُ الألم بذلك المصاب، وهو ما عكسه حال الأئمة في حلول شهر المحرم من كل عام.
ولذلك.. لولا هذه الفاجعة التي اقترفها بنو أمية يوم عاشوراء لبقي هذا اليوم «يوم الدعاء إلى الله عزّوجلّ» وطلب عفوه ومغفرته كما كان عليه قبل سنة 61هـ.

الهوامش:
([1]) الكافي: ج 4، ص 147، باب: صوم عرفة. وسائل الشيعة (آل البيت): ج 10، ص 460، ط مؤسسة آل البيت عليهم السلام. مشارق الشموس للمحقق الخونساري: ج 2، ص 458. الحدائق الناظرة للمحقق البحراني: ج 13، ص 371. مستند الشيعة للمحقق النراقي: ج 10، ص491.
([2]) الكافي للكليني: ج 4، ص 146. منتهى المطلب للعلامة الحلي: ج 2، ص 611. الاستبصار للشيخ الطوسي: ج 2، ص 135، ط دار الكتب الإسلامية. التهذيب للطوسي: ج 4، ص301، ط دار الكتب الإسلامية. وسائل الشيعة (الإسلامية) للعاملي: ج 7، ص 340، ط دار إحياء التراث. الحدائق الناظرة للبحراني: ج 13، ص 372.
([3]) الكافي: ج 4،ص 147. منتهى المطلب للعلامة الحلي: ج 2، ص 611. الاستبصار للطوسي: ج 2، ص 135، ط دار الكتب الإسلامية. التهذيب للطوسي: ج 2، ص 302، ط دار الكتب الإسلامية. خاتمة المستدرك للنوري: ج 1، ص 69، ط مؤسسة آل البيت عليهم السلام. الحدائق الناظرة للبحراني: ج 13، ص 373.
([4]) الآمالي للشيخ الطوسي: ص 667. وسائل الشيعة (آل البيت عليهم السلام) للعاملي: ج 10، ص462. البحار للمجلسي: ج 45، ص 95. الحدائق الناظرة للبحراني: ج 13، ص 373. وقد نسب للصدوق في المجالس، مستند الشيعة للنراقي: ج 10، ص 491. جواهر الكلام للجواهري: ج17، ص 107، نشر دار الكتب الإسلامية. جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 9، ص 478، ط مهر -قم.
([5]) الآمالي للشيخ الصدوق رحمه الله: ص 192، ط مؤسسة البعثة. عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 268، ط الأعلمي. وسائل الشيعة (الإسلامية): ج 10، ص 324. إقبال الأعمال لابن طاووس: ج 3، ص 29، نشر مكتب الإعلام الإسلامي. بحار الأنوار: ج44، ص 286.
([6]) الآمالي للشيخ الصدوق: ص 191. علل الشرايع للصدوق: ج 1، ص 327، ط المكتبة الحيدرية. روضة الواعظين للنيسابوري: ص 169، منشورات الشريف الرضي. وسائل الشيعة آل البيت عليهم السلام: ج 14، ص 504، ط مؤسسة آل البيت عليهم السلام. أقبال الأعمال لابن طاووس: ج3، ص 28، نشر مكتب الأعلام الإسلامي.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.4712 Seconds