المبالغة بأسماء الأفعال في نهج البلاغة: سادساً (شتان) في قوله عليه السلام ((شتّان ما بين عملينِ: عملٍ تذهبُ لذتُه، وتبقى تَبِعَتُه، وعملٍ تذهب مؤونتُه ويبقى أجرُه))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

المبالغة بأسماء الأفعال في نهج البلاغة: سادساً (شتان) في قوله عليه السلام ((شتّان ما بين عملينِ: عملٍ تذهبُ لذتُه، وتبقى تَبِعَتُه، وعملٍ تذهب مؤونتُه ويبقى أجرُه))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-09-2021

بقلم: د. حيدر هادي الشيباني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فإن أسماء الأفعال من الموضوعات اللغوية التي شغلت عناية الكثيرين من علماء العربية، قدماء ومحدثين ومعاصرين، إذ لم يخلُ كتاب في العربية قدم من ذكرها.
والمراد بأسماء الأفعال المُراد بأسماء الأفعال أنَّها ألفاظ «وُضِعت لتدل على صيغ الأفعال، كما تدلُّ الأسماء على مسمياتها»([1]).
أمّا دلالتُها فقد ذكر كثير من اللغويين أنَّها تفيد المبالغة، فضلاً عن إفادتها الاتِّساع والاختصار، قال ابن السَّرَّاج: «فجميع هذه الأسماء التي سُميَ بها الفعل إنما أُريد بها المبالغة، ولولا ذلك لكانت الأفعال قد كفَت عنها»([2])، وأكد ذلك ابن جني مفسِّرًا، فقال: «وذلك أنك في المبالغة لا بد أن تترك موضعًا إلى موضع، إمّا لفظًا إلى لفظ، وإمّا جنسًا إلى جنس»([3])، وإلى هذا ذهب ابن يعيش([4])، والرضي الاسترابادي([5]).

من هنا نجدها وردت في كتاب نهج البلاغة، وهي على النحو الآتي:
سادسا: شَتّان
اسمُ فعلٍ معناه: البعدُ المفرط([6])، أي: «ما اشدّ الافتراق»([7])، مأخوذ من الشَّت: وهو الافتراق والتباعد بين شيئين([8])، تقول: شتّان زيدُ وعمرو([9])، ولا يجوز عند الأصمعي (ت216 هـ): شتّان ما بين زيد وعمرو، وجوَّزه غيرُه([10]).

وذهب الأستاذ عباس حسن (ت1978م) إلى أنَّ «الصحيح الفصيح في (شتان) أنْ يكون الافتراق خاصًّا بالأمور المعنوية، كالعِلم، والفهم، والصلاح»([11]) وهذا الكلام مردود بما جاء في نهج البلاغة، إذ استعمله الإمام (عليه السلام) في موضع واحد في التفريق بين عملينِ، والأعمال ليست معنوية خاصة؛ بل منها المعنوية ومنها الحسيَّة، فقال (عليه السلام) في كلماته القصار: «شتّان ما بين عملينِ: عملٍ تذهبُ لذتُه، وتبقى تَبِعَتُه، وعملٍ تذهب مؤونتُه ويبقى أجرُه»([12]).

أراد الإمام (عليه السلام) بالعملين: العمل للدنيا، والعمل للآخرة، وهما شديدا الافتراق؛ لأنَّ العمل للدنيا - أي: من أجل الدنيا - لا يدوم فهو زائل بزوال هذه الدنيا وفنائها، غير أنَّ ما يتبعه من الشقاوة الأُخروية، والعذاب الإلهي باقٍ، أمّا العمل لله تعالى - وإنْ يلحقه جهد وجهاد - ففيه أجرٌ عظيم عند الله تعالى يوم القيامة، وغرض النص الترغيب في العمل الصالح، وعدم التعلُّق بالدنيا، وقد يكون في دلالة الافتراق إشارة إلى أنَّه ليس بإمكان الإنسان الجمع بين حبِّ الدنيا وحبِّ الآخرة، وفي هذا إيحاءٌ لرفض ازدواجية السلوك الإنساني، لذا كان استعمال اسم الفعل (شتّان) في مقامٍ يقتضيه.([13]).

الهوامش:
([1]) شرح المفصل: 4/25.
([2]) الأصول في النحو: 2/134.
([3]) الخصائص: 3/46.
([4]) ينظر: شرح المفصل: 4/25.
([5]) ينظر: شرح الرضي على الكافية: 3/89.
([6]) ينظر: الأُصول في النحو: 2/133, والنحو الوافي: 4/142.
([7]) شرح الرضي على الكافية: 3/90.
([8]) ينظر: شرح المفصل: 4/37.
([9]) ينظر: السابق: 4/37-38.
([10]) ينظر: السابق: 4/38, وشرح شذور الذهب (ابن هشام): 413.
([11]) النحو الوافي: 4/146.
([12]) شرح (ابن أبي الحديد): 18/310.
[13] لمزيد من الاطلاع ينظر: ابنية المبالغة وأنماطها في نهج البلاغة، حيدر هادي الشيباني، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 135 - 137.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3985 Seconds