من إرهاب الحرب الجسدية على فاطمة (عليها السلام). الحلقة الأولى: كيف أصبح حال جسدها بفعل هذه الحرب فكان السبب في أن يصنع لها نعشا.

مقالات وبحوث

من إرهاب الحرب الجسدية على فاطمة (عليها السلام). الحلقة الأولى: كيف أصبح حال جسدها بفعل هذه الحرب فكان السبب في أن يصنع لها نعشا.

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 19-12-2021

بقلم: السيد نبيل الحسني.

على الرغم من الوقت القصير الذي عاشته فاطمة (عليها السلام) بعد وفاة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والبالغة (خمسة وسبعين يوماً)[1] –على أشهر الروايات-إلاّ أنها تعرضت لإرهاب متعدد الجوانب ، وحرب منظمة على مختلف المجالات حتى لحقت بربها صابرة محتسبة شهيدة.
بل يكفي من الأدلة الأخذة بالأعناق بقتل فاطمة (عليها السلام) هو هذه المدّة القصيرة التي عاشتها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع تلك الأحداث التي أنزلها قادة السقيفة بآل النبي(صلى الله عليه وآله).

ولكن:
كيف أصبح حال فاطمة(عليها السلام) مع هذه المصائب والابتلاءات والأحداث المتسارعة التي لو قسمت على هذه الأيام لخرجنا بنتيجة مفادها: أن فاطمة (عليها السلام) في كل يوم يمر عليها بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان محملاً بمصاب جديد وابتلاء جديد حتى وصفت حالها (عليها السلام) بقولها:

صبّت عليّ مصائب لو أنها              صبّت على الأيام صرن لياليا([2])

فضلاً عن قولها وبيانها لما أصابها من المصائب فإن هناك بعض الروايات الأخرى التي تعطي صورة لهذه المصائب وحجمها وعلى مختلف المجالات كالجسدية والنفسية والاجتماعية والتي سنتناولها تباعا، لكي ندرك حجم الرزية والمصيبة التي أصابت فاطمة (عليها السلام) فكان إرهاباً منظماً عجل باستشهادها ومفارقتها للحياة.
ومن ثم: كيف أصبح حال الزهراء فاطمة (عليها السلام) بفعل هذه الحرب التي شنت عليها ؟ وجوابه:
أن الروايات قد كشفت حال جسد الزهراء(عليها السلام) بعد هذه الحرب أو خلالها، وأنها لشدة حزنها أدى الى يباس لحمها على عظمها.
وإنها كانت تلازم البكاء في الليل والنهار، ولم تر ضاحكة ولا مبتسمة حتى لحقت بأبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهو ما أظهره  الإمام الباقر (عليه السلام)، فقال:

«ما رئيت فاطمة (عليها السلام) ضاحكة مستبشرة منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قبضت»([3]).
إذ لم تزل الزهراء (عليها السلام) باكية بعد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) في الليل والنهار لا يجف لها رمش ولم تسكن لها عين، ولا يهدأ لها أنين، حتى عدت بذلك أحد البكائين الخمسة الذين عرفهم المسلمون وغيرهم، وذلك لطول بكائهم ودوام حزنهم، كما أشارت الروايات الشريفة، فمنها:

عن الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام، قال:
«البكاءون خمسة آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي بن الحسين عليهما السلام، فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له:

{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}([4]).
وأما يوسف بكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا: إما أن تبكي بالنهار و تسكت بالليل، وإما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما، وأما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تأذى بها أهل المدينة وقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر، مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين عليهما السلام فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك عبرة»)([5]).

وعليه:
فإن حالها (صلوات الله عليها وعلى أمها وأبيها وبعلها وبنيها) وهي في هذا الحزن الشديد والبكاء المستمر لا يمكن أن يتحمله هذا البدن الضعيف، فهو لا قدرة له على تحمل كل هذه المصائب والابتلاءات.
فقد وصل بها الحال إلى ذبول جسمها وإنهيار قواها، فقد ذابت من الحزن، هذا الحزن الذي ما زال يزداد عليها يوماً بعد يوم، وذلك أن القوم لم يتركوها وشأنها على الرغم من مصادرة مالها، وحبس خمسها ، ومنع إرثها، فضلاً عن حرق دارها واقتحامه وإرهاب أولادها وترعيبهم، وإخراج علي (عليه السلام) يقاد عنوة للبيعة صابراً محتسباً ملتزماً بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حال فقدان الناصر وخذلان الصديق؛ فهذه الابتلاءات التي جرت عليها جعلت جسدها بهذا الشكل الذي يصفه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام)، عن آبائه (سلام الله عليهم أجمعين) ، قال:
«لما حضرت فاطمة عليها السلام الوفاة كانت قد ذابت من الحزن وذهب لحمها فدعت أسماء بنت عميس....».

وفي لفظ آخر ، قال أبو بصير في حديثه عن أبي جعفر (عليه السلام):- أنها -:
«دعت أم أيمن فقالت: يا أم أيمن اصنعي لي نعشا يواري جسدي فإني قد ذهب لحمي، فقالت لها: يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا يصنع في أرض الحبشة؟
قالت فاطمة عليها السلام: بلى، فصنعت لها مقدار ذراع من جرائد النخل وطرحت فوق النعش ثوبا فغطاها فقالت فاطمة عليها السلام: سترتيني سترك الله من النار».

فإنا لله وإنا إليه راجعون من جليل الرزية وعظيم المصيبة التي أنزلها قادة السقيفة على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله):

﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء:227].

 الهوامش:
[1] الكافي للكليني: ج3، ص228؛ وسائل الشيعة: ج3، ص223 ؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج4، ص898؛ مجمع الزوائد: ج9، ص165؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج6، ص328؛ شرح النووي على مسلم: ج12، ص77؛ تهذيب الكمال: ج35، ص252؛ سير أعلام الذهبي: ج2، ص131.
([2]) المناقب لابن شهر: ج1، ص208؛ مسكن الفؤاد للشهيد الثاني: ص103؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص181؛ تفسير الآلوسي: ج19، ص149؛ سير أعلام النبلاء: ج2، ص134؛ الوافي بالوفيات: ج1، ص253؛ تاريخ مكة لمحمد بن أحمد المكي الحنفي: ص321؛ الاكتفاء للكلاعي: ص62.
([3]) كشف الغمة للأربلي: ج1، ص498.
([4]) سورة يوسف، الآية: 85.
([5]) الأمالي للصدوق: ص 140 ــ 141؛ المناقب لابن شهر: ج3، ص322؛ الخصال للشيخ المفيد: ج1، ص272 ــ 273؛ تفسير العياشي: ج2، ص188؛ إرشاد القلوب للديلمي: ج1، ص95؛ روضة الواعظين للفتال: ج1، ص170؛ قصص الأنبياء للجزائري: ص175.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2966 Seconds