الأخلاق من نهج البلاغة: 8. الإمام علي (عليه السلام) أنموذج الكمال

سلسلة قصار الحكم

الأخلاق من نهج البلاغة: 8. الإمام علي (عليه السلام) أنموذج الكمال

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 09-01-2022

بقلم: الشيخ محسن علي المعلم

((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
أما بعد:
فإن الحكمة المقتضية لبعث النبي مضطردة في تولي الإمام الوصي لامتداد الإمامة للنبوة اتحاداً في المصدر والجعل واجتماعاً في الهدف والمقصد.
وكان علي -بعد نبي الله- نسخة الإسلام الفريدة التي أبدعها قلم التكوين كما أبدع عدلها الآخر قلم التشريع والتدوين فكلاهما حق وكلاهما قرآن.
«عَلِيٌّ معَ الحقِّ والحقُّ معَ علي»، «عليٌّ معَ القرآنِ والقرآنُ معَ علي»، كما قال الصادق الأمين على وحي الله عن علي ولي الله.
وهل يرقى لمثل هذا تعريف أو توصيف؟!
ومن عسى أن يكون عارفاً ومعرّفاً غير خالق البشر وسيد البشر؟!
«لا يَعْرِفُكَ يا عليُّ إلّا اللهُ وأنا»، هذا وقد تبوّأ مقاماً منفرداً قال عنه: «وأنا مِنْ رسولِ اللهِ كالضَّوءِ مِنَ الضَّوءِ والذِّرَاعِ مِنَ العَضُدِ»[1].
وقد رصد التاريخ عليًّا في كافة أدواره منذ إشراقة نوره في بيت الله الحرام وكعبته المقدسة وأيام صباه وفتوته وكهولته وشيخوخته وما حفلت به من متكاثر الأحداث ومتفاقم الخطوب وشؤون الجهاد الطويل والحروب الضروس والسلم وإدارة الحكم وتوجيه الأمة وهدايتها، وأخلاقه العمليّة مع الكافة وليّه وعدوّه، وفترتي الشدة والرخاء متتبعاً يومياته وجزئيات ممارساته حتى لحق بربه فكانت السيرة الواحدة والحياة المنسجمة التي لم يجد فيها عوجاً ولا أمتاً.
كما تحدث علي عن نفسه في وافر من شؤونه حتى طعامه ولباسه فجسّد في أقواله أخلاقه كما جسّدها في أفعاله.
فلنأخذ من علي عن علي صورة كاملة معبرة أودعها في (نهج البلاغة) وأبدع رسمها حتى أبرزته مجسداً بأبراد الجمال وقالب الكمال في فكره ونبض قلبه ونقاء نفسه وشمائله وما أسبغ عليه مبدعه من ألطاف وإتحاف تحدث بها عن نعمة ربه عليه وحظوته لديه ومنزلته عنده وقربه منه.

6) الحكم وقيمته لولا...
وللإمام (عليه السلام) مقال واسع في أهمية الحكم وعظيم خطره وجليل أمره في ذاته وهوانه عنده بأساليب مثيرة ومعبرة تصديراً وتحليلاً وتمثيلاً.
أ) «أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِر، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ[2] ظَالِمٍ، وَلا سَغَبِ[3] مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ[4]!»[5].
ب) «قال عبد الله بن عباس (رضوان الله عليه): دخلت على أَمِيرِ المؤمِنِين (عليه السلام) بذي قار وهو يخصِف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمةَ لها! قال: والله لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ من إِمرَتِكم، إِلاّ أَن أُقيم حقًّا، أَو أَدفع باطلاً»[6].

7) الولي الحق:
أ) «وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالمَغَانِمِ وَالأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ المُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلاَ الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ، وَلاَ المُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ، وَلاَ المَعطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الْأُمَّةَ»[7].
ب) «لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً، وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً. إِنِّي أُرِيدُكُمْ للهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ، أَعِينُوني عَلى أَنْفُسِكُمْ، وأَيْمُ اللهِ لَأٌنْصِفَنَّ المَظْلُومَ، مِنْ ظَالِمِهِ، وَلَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً»[8].

8) الدنيا عند إمام الدين:
أ) «فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ في أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ[9]، وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ[10]، وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ؛ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ»[11].
ب) «وَاللهِ لَدُنْيَاكُمْ هذِهِ أَهْوَنُ فِي عَيْنِي مِنْ عِرَاقِ خِنْزِيرٍ فِي يَدِ مَجْذُومٍ»[12].

9) الموت هادم اللذات:
ومن كلامه في عمرو بن العاص:
«أَمَا واللهِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ المَوْتِ، وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الْآخِرَةِ»[13].[14].

 الهوامش:
[1] ك 45 /418.
[2] الكِظّة: ما يعتري الآكل من الثقل والكرب عند امتلاء البطن من الطعام.
[3] السغب: شدة الجوع، والمراد منه هضم حقوق المظلوم.
[4] عفطة عنز: ما تنثره من أنفها.
[5] خ 3 /50.
[6] خ 33 /76.
[7] خ131 /189.
[8] خ 136 /194.
[9] الحُثالة: القشارة وما لا خير فيه، وأصله كل ما يسقط من كل ذي قشر.
القَرَظ: ورق شجر السلم أو ثمر السنط يدبغ به.
[10] الجَلَم: مقراض يجز به الصوف، وقراضته: ما يسقط منه عند القرض والجز.
[11] خ 32 /76.
[12] ك 236 /510.
[13] خ 84 /115.
[14] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 69-71.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.4641 Seconds