كاشفية خطاب الإمام علي عليه السلام عن عقائد العرب قبل الإسلام الحلقة الثانية عشـر: سريان عبادة الأصنام بين العرب وتأثرهم بالميثولوجيا العالمية

مقالات وبحوث

كاشفية خطاب الإمام علي عليه السلام عن عقائد العرب قبل الإسلام الحلقة الثانية عشـر: سريان عبادة الأصنام بين العرب وتأثرهم بالميثولوجيا العالمية

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-12-2022

بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والصلاة والسلام على ابي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم الى قيام يوم الدين.

أما بعد:
تنحصر ظاهرة عبادة الأصنام في مكة وما حولها من حيث التأسيس لها والدعوة إليها وترويجها في شخص عمرو بن ربيعة، وهو لحي بن حارثة بن عمرو بن عامل الأزدي، وهو أبو خزاعة.
أما ما كان قبل زمن هذا الرجل فإن أهل مكة كانوا على دين إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، وفي ذلك أخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)، أنه قال:
«لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت ويقيمون للناس حجهم وأمر دينهم يتوارثونه كابر عن كابر حتى كان زمن عدنان بن أدد فطال عليهم الأمر فقست قلوبهم وأفسدوا وأحدثوا في دينهم وأخرج بعضهم بعضاً، فمنهم من خرج في طلب المعيشة، ومنهم من خرج كراهية القتال، وفي أيديهم أشياء كثيرة من الحنيفية من تحريم الأمهات والبنات وما حرم الله في النكاح، إلا أنهم كانوا يستحلون امرأة الأب وابنة الأخت، والجمع بين الأختين وكان في أيديهم الحج والتلبية والغسل من الجنابة إلا ما أحدثوا في تلبيتهم وفي حجهم من الشرك وكان فيما بين إسماعيل وعدنان بن أدد موسى عليه السلام»[1].

ويقول الكلبي:
 (إنّ إسماعيل بن إبراهيم [عليهما السلام] لما سكن مكة ولد له بها أولاد كثير حتى ملؤوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ولما ضاقت عليهم مكة وقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضاً فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش.

وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرا من حجارة الحرم، تعظيما منهم بها وصبابة بالحرم فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا له، وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة، ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل [عليهما السلام].
ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل [عليهم السلام] غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم)[2].
إلا أن هذا التحول لم يكن -كما أسلفنا- سببه الوحيد رمزية الكعبة في نفوس العرب عموماً والمكيين خصوصاً، وإنما لمدخلية الأسطورة في ظهور الوثنية -كما هو شأنها دائما في معتقدات الشعوب- وهذه المرة على يد عمرو بن لحي (فكان أول من غير دين إسماعيل [عليه السلام] فنصب الأوثان، وسيب السائبة ووصل الوصيلة، وبحر البحيرة، وحمى الحامية).
ولقد استفاد عمرو بن لحي من جده لأمه (الحارث) فقد (كان الحارث هو الذي يلي أمر الكعبة، فلما بلغ عمرو بن لحي، نازعهُ في الولاية وقاتل جرهما ببني إسماعيل، فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة ونفاهم من بلاد مكة، وتولى حجابة البيت بعدهم.
ثم أنه مرض مرضاً شديداً فقيل له: إنّ بالبلقاء من الشأم حَمّةً إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها، فبرأ ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟
فقالوا نستسقي بها المطر، ونستنصر بها العدوّ، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا، فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة)[3].
فكان أول من نقل الميثولوجيا الداعمة لعبادة الأصنام، وأنها القادرة على استجلاب المنفعة كالمطر، ودفع المضرة كالعدو.
ولم يكشف أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (المتوفى سنة 204هـ) عن هوية هذه الأصنام التي جاء بها من الشام، وهل أتبع هذا السفر بسفر آخر؟ وهل جلب في غير سفره هذا أصناماً أخرى؟ لاسيما وأن الكعبة فيها أصنام كثيرة فضلاً عما جاءت به القبائل.
كما لم يكشف ابن هشام الكلبي عن تداخل الروايات فيما بين الثالوث (مناة واللات والعزى) وبين أصنام قوم نوح، إلا أننا يمكن لنا الوقوف على هوية هذه الأصنام من خلال قِدَمِها عند العرب وعلاقتهم بها.
ولقد كشف النص الوارد في نهج البالغة عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) عن نفوذ عبادة الأصنام بين العرب من اليمن جنوبًا الى الشام شمالا مرورا بمكة والمدينة والطائف وتغلغلها بين القبائل العربية وبُيوتاتهم المشهورة.

فقال (عليه السلام) وهو يذكر الناس بما بذله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الجهود الجبارة في إنقاذهم من براثن الوثنية وتعدد ضروبها وأفكارها بينهم وانعكاساتها على حياتهم الفردية والأسرية والاجتماعية:
«إِنَّ الله بَعَثَ مُحَمَّداً [صلى الله عليه وآله] نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وفِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وحَيَّاتٍ صُمٍّ، تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ، وتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، الأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ والآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ فمن الله عليكم بمحمد [صلى الله عليه وآله] فبعثه اليكم رسولاً من أنفسكمُ، وقال فيما أنزل من كتابة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وقال سبحانه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}...»[4])[5].

الهوامش:
[1] الكافي للكليني، باب: حج إبراهيم (عليه السلام)، ج4، ص210.
[2] الأصنام للكلبي: ص6.
[3] الأصنام للكلبي: ص8.
[4] الغارات، الثقفي الكوفي: ج1 ص303؛ نهج البلاغة، الخطبة: 26، بتحقيق صبحي الصالح: ص68.
[5] ينظر: أثر الميثولوجيا العالمية في تكوين عقائد العرب قبل الإسلام، السيد نبيل الحسني: ص 157-160اصدار العتبة الحسينية المقدسة – مؤسسة علوم نهج البلاغة/ ط1 دار الوارث- 2022م.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2695 Seconds