من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قال عليه السلام: ((لأَفْرِطَنّ لهم حَوْضا أنا ماتِحُه لا يَصْدُرون عنه بريّ ولا يعبّون بعده في حِسْي))

مقالات وبحوث

من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قال عليه السلام: ((لأَفْرِطَنّ لهم حَوْضا أنا ماتِحُه لا يَصْدُرون عنه بريّ ولا يعبّون بعده في حِسْي))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 11-07-2023

بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر

الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
لأمير المؤمنين (عليه السلام) خطبة  تنبؤه في بيان خطته المستقبلية في عبارات قصيرة وقارعة بتوعد العدو مع تنبؤه بما ستؤول إليه هذه المعركة[1] قال فيها: ((لأَفْرِطَنّ لهم حَوْضا أنا ماتِحُه لا يَصْدُرون عنه بريّ ولا يعبّون بعده في حِسْي))[2]. المفردة الغريبة التي وردت في قوله(ماتِحُه)، أصلها من (المتح)، قال ابن فارس: ((الْمِيم وَالتَّاء وَالْحَاء أصَيل يَدُلّ عَلَى مَدِّ الشَّيْءِ وَإِطَالَتِهِ...، الْمَتْح وَهُوَ الِاسْتِقَاء؛ مَتَحَ يَمْتَحُ مَتْحًا، وَهُوَ مَاتِحٌ وَمَتُوحٌ. وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِمَدِّ الرِّشَاءِ...))[3]والمَتْح: القَطْع، ويُقَال: مَتَحَ الشيءَ ومَتَحه إِذا قطعه من أصلهِ، وَيقَالُ: مَتَحَ بِسَلْحِه وَمَتَخَ بِهِ إِذا رَمَى بِهِ [4].
وفي كتب الغريب ورد معنى المتح، قال الخطابي: متح الدلو من البئر وهو مدك إياها وجذبك الرشاء بها[5]، ومتحت أعناقها إِلَى شَيْء، أَي مدَّت أعناقها من متح الدَّلْو[6]، و((المَاتِح: المُسْتَقِي مِنَ الْبِئْرِ بالدَّلْو مِنْ أعْلَى الْبِئْر))[7].
قوله عليه السلام لأَفْرِطَنّ لهم حَوْضا أنا ماتِحُه هذه كناية عن الحرب وما يتعقّبهما من القتل والهلاك لمن نكث البيعة وأراد محاربة الحق، فـاستعار إفراط الحوض لجمعه الجند وتهيئة أسباب الحرب، وكنى بقوله عليه السلام: أنا ماتحه إنه هو المتولي لذلك، أي: أنا خبير به، يتضح من قوله: لأملأن لهم حياض الحرب التي هي دربتي وعادتي، أو لأسبقنهم إلى حياض حرب أنا متدرب بها مجرب لها[8]. وفي تخصيص الإمام (عليه السلام) نفسه بالمتح تأكيدٌ، وتهديدٌ لعلمهم ببأسه، وقوته[9].
وهنا لابدّ من الالتفات إلى أنّ قوله عليه السلام: لأفرطن لا تعني أنّي سأفرّط في هذا السبيل، بل المراد أنّي سأبذل قصارى جهدي لسد جميع الطرق والمنافذ على العدو. وقوله ولا يصدرون عنه بريّ أي ليس كهذه الحياض الحقيقية التي إذا وَرَدَها الظمآن روى غليله بل لا يصدرون عنه إلاّ وهم جزر السّيوف، ولا يعبّون بعده في حِسْي؛ لأنهم هلكوا، فلا يشربون بعده البارد العذْب [10]، فكنى عن أن الوارد منهم لا ينجو منه فهو بمنزلة من يغرق منه فلا يصدر عنه. ومقتضى مراد الإمام (عليه السلام) من هذه العبارة أنّه سيجعل من ميدان معركة الجمل مستنقعاً خطيراً حيث لا يسعهم الهروب منه.  وبشجاعته، وقوته أخمد الفتنة في مهدها، ولَقَّنَ ((حزب الشيطان درسا قاسيا لا ينساه أبدا فمن ثبت من هذا الحزب للقتال فنصيبه الموت لا محالة، ومن فرَّ فلن يعود الى القتال ثانية))[11]. فيلحظ دلالة المفردة تدل على القوة والشجاعة)[12].

الهوامش:
[1] ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن ابي الحديد: 2/33، ونفحات الولاية: 5/330-331.
[2] بحار الانوار: 32/53، غريب الحديث في بحار الأنوار: 1/327، و لفظة (الحِسْي) في اللغة: «الرَّمْلُ الْمُتَرَاكِمُ أَسفله جَبَلٌ صَلْدٌ، فإِذا مُطِرَ الرَّمْلُ نَشِفَ ماءُ الْمَطَرِ، فإِذا انْتَهى إِلى الْجَبَلِ الَّذِي أَسْفلَه أَمْسَكَ الماءَ وَمَنَعَ الرملُ حَرَّ الشمسِ أَن يُنَشِّفَ الْمَاءَ،... وجَمْعه أحْساء).(لسان العرب: (حسي)4/177، تاج العروس: (حسي)37/ 428، وينظر: النهاية في غريب الحديث: 1/387، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 1/327.
[3] مقاييس اللغة: (متح) 5/392.
[4] ينظر: تهذيب اللغة: (متح) 4/261، وَ(الْمَايِحُ، بِالْيَاءِ: الَّذِي يَكُونُ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ يَملأ الدَّلْو. تَقُولُ: مَتَحَ الدَّلْوَ يَمْتَحُهَا مَتْحاً، إِذَا جذَبها مُسْتقِياً لَهَا وماحَها يَمِيحُها: إِذَا مَلأها). (لسان العرب،(متح) 4/291.
[5] غريب الحديث: 2/320.
[6] ينظر: الغريبين في القرآن والحديث: 6/1722، والفائق في غريب الحديث: 3/343، والنهاية في غريب الحديث: 4/291، وتاج العروس: (متح) 7/ 109.
[7] النهاية في غريب الحديث والاثر: 4/291، وينظر: الفائق في غريب الحديث: 3/343، ولسان العرب: (متح)4/291.
[8] ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 1/240، وبحار الأنوار: 3/53، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 1/327.
[9] وقد حذف المضاف اليه (ماتح) في الحقيقة، وتقديره أنه ماتح ماؤه إذ الحوض لا يوصف بالمتح.  (ينظر: شرح نهج البلاغة، البحراني: 1/286.)
[10] ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 1/495، وينظر: تهذيب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: تح، عبدا الهادي الشریفي: 1/459.
[11] في ظلال نهج البلاغة: 1/121.
[12] [12] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 120-122.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2694 Seconds