من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((طَمَحَ)) في قوله عليه السلام: «طَمَحَ بِنَظَرِهِ»

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام دلالة الفعل ((طَمَحَ)) في قوله عليه السلام: «طَمَحَ بِنَظَرِهِ»

637 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-06-2024

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندّر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

قوله عليه السلام: «طَمَحَ بِنَظَرِهِ».

طَمَحَ
الفعل (طمح) من باب (منع)، وله معنيان بحسب تعدِّيه إلى معموله، فإنْ تعدَّى بنفسه، فهو بمعنى (ارتفع)، وإنْ تعدَّى بحرف الجرِّ (الباء)، فهو بمعنى (رمى إلى الشَّيء). جاء في (العين): «طمح الفرس رأْسه، أَيْ: رَفَعَهُ... وطمح ببصره، إذا رمى به إلى الشَّيء»([1]).
وقال الأَزهريّ: «طَمَحَ فلان ببصره: إذا رمى به إلى الشَّيء، وفرس طامح البصر.. وطمحت بعينيها: إذا رمت ببصرها إلى الرَّجل، وإذا رفعت بصرها يُقال: طَمَحَت... وإذا رميت بشيء في الهواء قلت: طَمَّحتُ به تطميحاً»([2]).
 وجاء في (معجم مقاييس اللُّغة): «الطَّاء والميم والحاء أَصلٌ واحد يدلُّ على علوٍّ في شيء. يُقال: طمح ببصره إلى الشَّيء: علا. وكلُّ مرتفع طامح. وطمح ببوله: إذا رماه في الهواء»([3]).
وقال الفيُّوميّ: «طَمَحَ ببصره نحو الشَّيء يَطْمَحُ بفتحتين طموحاً واستشرف له، وأَصله قولهم: جبل طامح، أَيْ: عالٍ مشرف»([4]).
وزاد ابن سيده، فقال: «طَمَحَ ببصره يَطْمَحُ طُموحاً رمى به، يكون في الإنسان، والفرس: مَدَّ بصره إلى الشَّيء: طمح به»([5]).
وقد أَورد أَمير المؤمنين (عليه السلام)  هذا الفعل (طمح) مرَّة واحدة في الخطبة، واستعمله متعدِّياً بحرف الجرِّ (الباء)، إذ قال (عليه السلام): (طَمَحَ بِنَظَرِهِ)، ومنه تلحظ دقَّة إيراد أَمير المؤمنين (عليه السلام)  الأَفعال بحسب ما يقتضيه المعنى والسِّياق؛ إذ استعمل أَمير المؤمنين(عليه السلام)  قبل هذا الفعل فعلا يدلُّ على ارتفاع بصر الإنسان المحتضَر، وهو (شخص)، واستعمل بعده هذا الفعل (طمح) متعدِّياً بالباء، ومعناه: أَنــَّه رمى إلى الشَّيء، وإنْ كان يدلُّ على الارتفاع من دون حرف الجرِّ الباء ــ كما ذكر أَصحاب المعجمات ــ ؛ لأَنَّ (شخص) دلَّ على الإرتفاع، أَمَّا (طمح)، فإنــَّه يتناسب والتَّدرُّج الحاصل في حال الإنسان المحتضَر؛ فـ(شخص ببصره)، أَيْ: رفع بصره، ثــُمَّ (طمح بنظره)، أَيْ: رمى بنظره إلى مَنْ حضره من قريبٍ وبعيدٍ.
و(طمح) خامس الأَفعال الثــَّمانية الَّتي أَوردها أَمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان حال الإنسان المحتضَر.
و(طمح) فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، تقديره هو، عائد إلى الإنسان المحتضَر، و(بنظره) الباء حرف جرٍّ، و(نظره) اسم مجرور، وعلامة جرِّه الكسرة الظَّاهرة على آخره، وهو مضاف، والهاء ضمير متَّصل مبنيٌّ على الكسر في محلِّ جرٍّ بالإضافة. وجملة (وطمح بنظره) معطوفة على جملة (فشخص ببصره) )([6]).

الهوامش:
([1]). العين: 1/206. وينظر: الصحاح في اللغة: 1/430، والقاموس المحيط: 1/224.
([2]). تهذيب اللغة: 2/67.
([3]). معجم مقاييس اللغة: 3/331.
([4]). المصباح المنير: 5/436. وينظر: لسان العرب: 2/534، وتاج العروس: 1/1688.
([5]). المخصص: 1/70.
([6]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 182-183.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3248 Seconds