بقلم: السيد نبيل الحسني.
قال (عليه الصلاة والسلام):
«وإِيَّاكَ والإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وحُبَّ الإِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِه، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ».
يرتكز النهي في النّص الشريف على بيان أثر العجب على النّفس في جرها إلى سلّم الرذائل والوقوع في الهاوية وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
فرذيلة العجب وحب الإطراء عليها يعدان المحركان الرئيسيان للوقوع في الكبر والتكبر والإدلال على الله تعالى، أي أن الضرر لم ينحصر بالأشخاص الذين لم يتحلوا بصفة الإيمان وإنما يسري العجب في الذين أمنوا، بل ولم يكن إيمانهم بالله وعبادتهم له بمانعتهم من الوقوع في هذه الرذيلة المهلكة.
ومن هنا: تظهر خطورتها وأثرها على سلوك الإنسان وضررها عليه، وإن لا أحد من الناس بمأمن منها ولا سيما أهل الإحسان، وهو ما حذّر منه أمير المؤمنين (عليه السلام) ونهى عنه ولا سيما من كان في مواقع الادارة والقيادة والسلطة والجاه وأهل الإحسان، فأن العجب إليهم أسرع من غيرهم، وذلك لتوارد حاجات الناس إليهم، فكان:
«ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِه، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ».
ومن ثمَّ ترتب عليه، أي العجب بالنفس وحب الإطراء عليها محاذير كثيرة واثار دنيوية وآخروية فكان محل اهتمام علماء الاخلاق، فكيف ينظرون له؟
يعتمد علماء الأخلاق في علاجهم للرذائل على تدارس منشئها وأصلها الذي تكوّنت منه، والعجب بنظرهم، هو:
استعظام الإنسان لنفسه، وذلك «لأجل ما يرى لها من صفة كمال، سواء كانت له تلك الصفة في الواقع أم لا. وسواء كانت صفة كمال في نفس الأمر أم لا، وقيل: (هو إعظام النّعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنّعم).
وهو قريب مما ذكر، ولا يعتبر في مفهومه رؤية نفسه فوق الغير في هذا الكمال وهذه النعمة، وبذلك يمتاز عن الكبر، إذ الكبر هو أن يرى لنفسه مزية على غيره في صفة كمال، وبعبارة أخرى: هو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه، فالكبر يستدعي متكبر عليه ومتكبرا به.
والعجب لا يستدعي غير المعجب، بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجبا، ولا يتصور أن يكون متكبرا، إلا أن يكون مع غيره وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفة الكمال، ولا يكفي أن يستعظم نفسه ليكون متكبرا، فإنه قد يستعظم نفسه، ولكن يرى في غيره أعظم من نفسه أو مثل نفسه، فلا يتكبر عليه، فهو معجب وليس متكبرا.
ولا يكفي أن يستحقر غيره، فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر أو رأى غيره مثل نفسه لم يكن متكبرا، بل المتكبر هو أن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة، ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره.
والحاصل: أن العجب مجرد إعظام النفس لأجل كمال أو نعمة، وإعظام نفس الكمال والنعمة مع الركون ونسيان إضافتهما إلى الله، فإن لم يكن معه ركون وكان خائفا على زوال النعمة مشفقا على تكدرها أو سلبها بالمرة، أو كان فرحه بها من حيث أنها من الله من دون إضافتها إلى نفسه لم يكن معجبا، فالمعجب ألا يكون خائفا عليها، بل يكون فرحا بها مطمئنا إليها، فيكون فرحه بها من حيث أنها صفة كمال منسوبة إليه، لا من حيث أنها عطية منسوبة إلى الله تعالى. ومهما غلب على قلبه أنها نعمة من الله مهما شاء سلبها: زال العجب»[1].
ومن ثمّ فأن خطورة العجب تكمن في أمرين الأول: أنه يرى أن النعمة بيده فهو الذي جاء بها كنعمة الفهم أو الذكاء أو قوة البدن أو التحمل أو الأنفاق أو طيب اللسان والمعاشرة اللطيفة مع الناس أو قضاء حوائجهم أو الجاه أو المسؤولية التي كلف بها وغيرها مما يتميز به الأنسان من النعم فهو يرى أنها من نفسه وأن غيره مفتقر إليها وعاجز عنها فينسى عبر حبه لنفسه أن المنعم هو الله تعالى وهو الذي وهبه وأعطاه وإن الخير كله بيده تعالى وهو مخول في التصرف بها.
ومن ثمّ لا قدر لنفسه عنده ولا يرى الإطراء والمدح شيئا يُعتد به، وذلك كي لا يقع في مكيدة الشيطان فيكون العجب من أوثق ما يعتمد عليه في هلاكه، كما نبّه أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك الأشتر وبيّنَ له، قائلا: «وإِيَّاكَ والإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ، والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وحُبَّ الإِطْرَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِه، لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ».
أمّا الأمر الآخر فسنتناوله لاحقا؛ إن شاء الله تعالى [2].
الهوامش:
[1] جامع السعادات، ج1 ص242
[2] لمزيد من الإطلاع، ينظر: فقه صناعة الإنسان، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رحمه الله)، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق، السيد نبيل الحسني، ص253- 256/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة، ط 1، دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م