القلب الميت في فكر الإمام علي (عليه السلام)

مقالات وبحوث

القلب الميت في فكر الإمام علي (عليه السلام)

10K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 13-01-2018

القلب الميت في فكر الإمام علي (عليه السلام)

 

الشيخ سجاد الربيعي

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبعد:

يقول الامام أمير المؤمنين (عليه السلام): عباد الله إن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه وأعد القرى ليومه النازل به فقرَّب على نفسه البعيد وهون الشديد، نظر فأبصر، وذكر فاستكثر، وارتوى من عذب فرات، سهلت له موارده فشرب نهلا، وسلك سبيلا جددا قد خلع سرابيل الشهوات وتخلى من الهموم إلا هما واحدا انفرد به فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى. قد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع غماره استمسك من العرى بأوثقها، ومن الحبال بأمتنها،  فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس، قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه، وتصيير كل فرع إلى أصله مصباح ظلمات، كشاف عشاوات، مفتاح مبهمات، دفّاع معضلات، دليل فلوات، يقول فيفهم ويسكت فيسلم، قد أخلص لله فاستخلصه، فهو من معادن دينه، وأوتاد أرضه[1].

القلب المطبوع هو الذي لا حياة فيه, إذ أخلص العبودية لهواه, يقف مع شهواته ولذاته, غير معتبر بسخط الله, قد اتخذ الجهل مركبا له، يقول تعالى: ((أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ))[2] .

 وقوله تعالى: ((تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ))[3]. فهذه الآيات تشير إلى القلب الميت، ويمتاز القلب الميت بصفات من أهمها:

1 ـ أنه قاسي : وجاء في قاله تعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))[4]، وغيرها من الآيات، وقسوة القلب من علامات الشقاء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب، وشدة الحرص في طلب الرزق ، والإصرار على الذنب))[5].

وفي وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: ((يا علي أربع خصال من الشقاء : جمود العين ، وقساوة القلب ، وبعد الأمل ، وحب البقاء))[6]. وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ((أعجب ما في الانسان قلبه وله مواد من الحكمة ، وأضداد من خلافها))[7].

2 ـ القلوب المقفل: الذي أقفلت بالمعاصي والسيئات وكأن عليها أقفال لا تتأثر ولا تتدبر ولا تتعظ , قال تعالى: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا))[8], وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ((إن لقمان قال لابنه: يا بني عليك بمجالس العلماء ، واستمع كلام الحكماء ، فإن الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر))[9], فالقلب المقفل ينفتح بالاستماع الى الموعظة رحم الله امرءًا قال خيرًا فغنم أو سكت فسلم[10], المفتاح الثاني الذي سنفتح به قلوب الناس المقفلة القول الحسن، وبه نستطيع أن نكسب قلوبهم ، وأمرنا بها الله عز وجل في قوله تعالى : ((وقولوا للناس حسنا)) [11].

3ـ القلب مشمئز: الاشمئزاز: يعني النفرة , قال المبرد : انقبضت. وهو قول ابن عباس ومجاهد. وقال قتادة : نفرت واستكبرت وكفرت وتعصت. وأصل الاشمئزاز النفور والازورار. واشمأز الرجل ذعر من الفزع وهو المذعور. وكان المشركون إذا قيل لهم) لا إله إلا الله نفروا وكفروا (وإذا ذكر الذين من دونه[12], قال تعالى: ((وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ))[13].

4 ـ القلب مرعوب: قال تعالى: ((سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ))[14].

5 ـ القلب الغلف: قوله تعالى: ((وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ))[15], (غلف) جمع أغلف أي مغشاة بأغطية , أي قلوبنا في أوعية فارغة لا شيء فيها, مطبوع عليها ومختوم، فلا تعي ما تقول, فتدل هذه الآية  على أن موضع الجهل والغفلة هو القلب، فوجب أن يكون موضع العقل والفهم أيضا هو القلب، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة))[16].

نسأل الله أن يجعل قلوبنا مطمئنة راضية بما قسم لها، محبة لأولياء الله، مبغضة لأعداء قاسية على الظالمين إنه سميع الدعاء.

الهوامشك

[1] نهج البلاغة: 87

[2] سورة الاعراف: 100

[3] سورة الاعراف: 101

[4] سورة المائدة : 13

[5] الخصال ج 1 ص 115 .

[6] لخصال ج 1 ص 115 و 116 .

[7] الارشاد ص 142 و 143

[8] سورة محمد: 24

[9] الكافي : 2 / 421 / 3 عن علي بن جعفر)

[10] المحاسن : أحمد بن محمد بن خالد البرقي الجزء : 1 ص15

[11] البقرة: 83.

[12]  الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) : القرطبي الجزء : 15 ص264

[13] سورة الزمر: 45

[14] سورة آل عمران: 151

[15] سورة البقرة : 88

[16] مستدرك سفينة البحار : الشيخ علي النمازي الشاهرودي الجزء : 8 ص573

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2342 Seconds