(أبو الأسود الدُّؤَليّ (رضوان الله عليه))

علي ومعاصروه

(أبو الأسود الدُّؤَليّ (رضوان الله عليه))

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-12-2017

 

(أبو الأسود الدُّؤَليّ (رضوان الله عليه)).

الباحث: محمد حمزة الخفاجي.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وبعد:

تأثر كثير من الصحابة بأمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذوا منه العلوم ونهلوا من معينه فهو باب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنهم أبو الأسود الدؤلي.

اسمه ظالم بن عمرو[1]، وقد اشتهر بكنيته، وكان من وجوه التابعين وفقهائهم ومحدثيهم[2]، وشاعرًا متشيعًا[3]، ثقة في حديثه[4]، أسلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لكنّه لم يَحْظَ برؤيته[5].

وقد كان لهذا الصحابي مواقف تبرهن عن محبته وولائه لأمير المؤمنين (عليه السلام) كذلك تبرهن عن شجاعته ومنها مشاركته مع أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم الجمل[6].

ومن مواقفه المشرفة ما روي عن المدائني (لمّا قَدِمَ أبو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة، قال له معاوية: بلغني يا أبا الأسود أنّ عليّ بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكَمين، فما كنت تحكم به؟ قال: لو جعلني أحدهما لجمعت ألفاً من المهاجرين وأبناء المهاجرين، وألفاً من الأنصار وأبناء الأنصار، ثمّ ناشدتهم الله: المهاجرين وأبناء المهاجرين أولى بهذا الأمر أم الطُّلَقاء؟ قال له معاوية: لله أبوك! أيُّ حَكَم كنت تكون لو حُكّمت!)[7].

وفي رواية سأل زياد ابن أبيه أبا الأسود عن حب علي (عليه السلام) فقال: إن حب علي يزداد في قلبي حدة كما يزداد حب معاوية في قلبك فإني أريد الله والدار الآخرة بحبي علياً وتريد الدنيا بزينتها بحبك معاوية، ومثلي ومثلك كما قال أخو مذحج.

خليلان مختلف شأننا * أريد العلاء ويهوي اليمن

أحب دماء بني مالك * وراق العلى بياض اللبن[8].

فهذا الكلام يبين ظلالة معاوية وأحقية علي في الاتباع فعلي ابن أبي طالب الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل وهذا كلام النبي والعارفين بفضل علي (عليه السلام). وهذا ما كان من مواقف هذا الصحابي الجليل في الرد على أعداء الدين من القتلة والفاسقين.

وقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ فِي رثاء أمير المؤمنين (عليه السلام):

أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ ... فَلَا قَرَّتْ عُيُونُ الشَّامِتِينَا

أَفِي شَهْرِ الصِّيَامِ فَجَعْتُمُونَا ... بِخَيْرِ النَّاسِ طُرًّا أَجَمَعِينَا[9].

فهذا الصحابي معروف لدى الناس بالولاء لآل البيت (عليهم السلام) لذا كانوا يؤذوه، قال ابن عساكر: (.. كانوا يرجمونه بالليل لمحبّته لعليّ وولده، فإذا أصبح فذكر رجمهم، قالوا: الله يرجمك، فيقول لهم: تكذبون، لو رجمني الله لأصابني، وأنتم ترجمون فلا تُصيبون)[10].

وقد ربى أبو الأسود ذريته على حب علي وبغض أعدائه ففي رواية عن علي بن محمد قال: رأيت ابنة أبي الاسود الدؤلي وبين يدي أبيها خبيص فقالت: يا أبه أطعمني فقال: افتحي فاك ففتحت فوضع فيه مثل اللوزة، ثم قال لها: عليك بالتمر فهو أنفع وأشبع. فقالت: هذا أنفع وأنجع؟ فقال: هذا الطعام بعث به إلينا معاوية يخدعنا به عن حب علي بن أبي طالب (عليه السلام). فقالت: قبحه الله، يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد المزعفر، تبا لمرسله وآكله، ثم عالجت نفسها وقاءت ما أكلت منه، وأنشأت تقول باكية:

أبالشهد المزعفر يا ابن هند * نبيع إليك إسلاما ودينا

فلا والله ليس يكون هذا * ومولانا أمير المؤمنينا[11].

ومن الأمور التي اشتهر بها هذا الصحابي أخذه النحو عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقد روي عن يحيى بن يعمر الليثي قال: إن أبا الأسود الدؤلي دخل إلى ابنته بالبصرة فقالت له: يا أبت ما أشدُّ الحر! رفعت أشد فظنها تسأله وتستفهم منه: أي زمان الحر أشد؟ فقال لها: شهر ناجرٍ، يريد شهر صفر، الجاهلية كانت تسمى شهور السنة بهذه الأسماء، فقالت: يا أبت إنما أخبرتك ولم أسألك، فأتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، ذهبت لغة العرب لما خالطت العجم، وأوشك إن تطاول عليها زمان أن تضمحل، فقال له: وما ذلك؟ فأخبره خبر ابنته، فأمره فاشترى مصحفاً بدرهم، وأمل عليه: الكلام كله لا يخرج عن اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ جاء لمعنى، وهذا القول أول كتاب سيبويه([12]).

والخلاصة:

إن هذا الصحابي أخذ العربية من الإمام علي (عليه السلام)، وهو أول من وضع العربية وأسس أساس النحو ونقط المصاحف بإرشاد الإمام علي (عليه السلام).

وكان أحد عمال أمير المؤمنين ومن الثقات لديه وقد علمه القضاء وأصبح قاضي البصرة في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن الفقهاء الفضلاء وذو دين وفهم ولباقة في الكلام وحزم.

فحينما يكون هذا الصحابي بهذه الموصفات وهو مواليا لأمير المؤمنين (عليه السلام) وأبنائه ألا يكون حجة على كل من خذل علي (عليه السلام) وناصر أعدائه.

فنسأل الله أن يجمعنا مع علي والتابعين له وأن يحشرنا معهم في الدنيا الآخرة ببركة محمد وآل محمد.

 


[1] - الطبقات الكبرى، ابن سعد (المتوفى: 230هـ)، ج7، ص69.

[2] - ينظر الأغاني،

[3] - الطبقات الكبرى، ابن سعد (المتوفى: 230هـ)، ج7، ص69.

[4] - المصدر نفسه.

[5] - موسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، ج12، ص13.

[6] - ينظر، سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج4، ص81.

[7] - جواهر المطالب في مناقب الإمام علي ( ع ) محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي، ص53.

[8] - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، الزمخشري، ج4، ص223.

[9] - التاريخ الكبير، ج2، ص744.

[10] - تاريخ مدينة دمشق،

[11] - الأربعون حديثا، منتجب الدين بن بابويه، ص81.

 

[12] - الأغاني، أبي الفرج الأصفهاني، ج12، ص481.

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2837 Seconds