حرمة المثلة بالمقتول

مقالات وبحوث

حرمة المثلة بالمقتول

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 21-12-2019

علي فاضل الخزاعي
الحمد لله الذي أحلَّ الحلال برحمته، وحرَّم الحرام بحكمته، وأسبغ علينا حلل فضله، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى آله الطِّيبين الأطهار.
وبعد..
اقتضت الحكمة الإلهيَّة بتحريم إراقة الدّماء بشتى أنواعها، لضمان حقوق الإنسان وحرمة دمه، بغية فرض التّعايش السّلميّ بين أفراد المجتمع الواحد؛ لأن مثل هكذا أمور شنيعة تؤدي إلى زوال النعم وحلول النّقم وعدم الاستقرار في المجتمعات التي تفعل مثل هكذا عمل يغضب الله ورسوله.
ومن كلام للإمام عليّ (عليه السلام) يحذر من سفك الدّماء بقوله: (.. وليس ذنب
بعد الشرك بالله أعظم من سفك الدماء التي حرم الله)[1].
وعند التّمعّن في الأسباب التي تفاقم النّقمة بين الشعوب هي كراهة الحاكم المتولي عليهم حيث تؤدي مثل هكذا أمور إلى تولد حالة من العنف والتّمرّد بين مؤيد للحاكم ومعارض له تكون نتيجتها حدوث حالات الشغب في الممتلكات الخاصة والعامة وسلب ونهب وإراقة للدّماء، وهذا ما نراه في الآونة الأخيرة من سفك للدماء والتمثيل بجثثهم؛ وحرق للممتلكات في سبيل حدوث بلبلة في البلد.
وعند التّركيز في النقطة المهمة ألا وهي التّمثيل بالجثث، فهذا العمل محرم تحريمًا قطعيًّا إن كان على الإنسان أو على الحيوان وحتى على الكافر.
 فقد بلغ من عطف الإسلام وإنسانيّته أنّه حرّم المثلة بالقتلى، فلمّا وقف النبيّ (صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) في اُحد على جسد حمزة بن عبد المطّلب فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثّل به فجدع أنفه واُذنه، حزن حزناً شديداً وقال: ((ولئن أظهرني اللهُ على قُريش في موطن من المواطن لأُمثّلنّ بثلاثين رجُلاً منهُم)).
فأنزل اللّه سبحانه: ­Pوَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلَّصَابِريْنَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلاّ باللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْق مِمَّا يَمْكُرُونَO[2]، فعفا رسول اللّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)[3].
وكذلك ما أوصى به أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) في ذمّ المثلة؛ حيث نهى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المثلة، في وصيته إلى ولديه الحسنين (عليهم السّلام) عندما ضربه ابن ملجم -عليه لعائن الله-: (يا بَني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة ولا يمثل الرجل فإني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور)[4].
فالمثلة محرمة لأنها تولد نوعًا من قساوة القلب تكون نتيجة الحقد الكامن في قلب القاتل والشواهد كثيرة على من مثلت بأجسادهم ولكننا نختم مقالتنا بذكر أعظم مصيبة حدثت على وجه الأرض لا تأتي بعدها مصيبة ألا وهي مصيبة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وكيف مثَّل الأمويون بجسده الطاهر وكيف قطعوه إرباً إربا ورفعوا رأسه الشريف يطوفون به بين البلدان مفتخرين بقتلهم ابن بنت نبيهم، وعند الرجوع إلى وقتنا الحاضر نرى أن هؤلاء الذين يفعلون مثل هكذا أعمال يهتز لها كرسي العرش هم من أحفاد هند ومعاوية، فهذا هو ديدنُ الفاسقين.
فنسأل الله أن يأخذ حق كل مظلوم من ظالمه، وأن يبعث لنا وليه القائم الحُجَّة بن الحَسَن (عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف)، ليُقيم الحقّ ويزهق الباطل، ويقيم حدود الله بالحق، بفضل الله وبفضل الصَّلَاة على مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد، والحمد لله ربِّ العالمين...
الهوامش:
[1] كتاب سليم بن قيس: 415.
[2] سورة النحل: 126-127.
[3] سيرة ابن هشام: 2/96.
[4] ينظر: الوافي، الفيض الكاشاني: 2/335.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2150 Seconds