صلاح ذات البين وأثرها في تربية النَّفس من نظرة علويَّة

مقالات وبحوث

صلاح ذات البين وأثرها في تربية النَّفس من نظرة علويَّة

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-01-2020

الباحِث: سَلَام مَكّيّ خضَيّر الطَّائِيّ.
الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله على سيّدنا ونبيّنا وشفيع ذنوبنا مُحَمّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرين، واللّعن الدَّائِم على أعدائِهم إلى قيام يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإن صلاح ذات البين، من الأخلاقيَّات التي جاءت بها الدّعوة الإسلامية وأكَّدت عليها السّنَّة النَّبويَّة، ومن طالع الرّوايات المرويَّة عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) يجد هذا الموضوع (صلاح ذات البين)، قد أخذ مساحة ليست بقليلة منه، لأهمّيتها في الحفاظ على تماسك المجتمع الإسلامي وعدم تفكك أواصره الاجتماعيَّة.
فهذا هو الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه)، يؤكَّد على المصالحة ونبذ المخالفة والتَّسمك بتعاليم الدِّين الإسلامي، في وصيَّته التي قالها لابنيه الإمامين الحَسَن والحُسَين (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، لمّا ضربه أشقى الأشقياء ابن ملجم (لعنه الله): (أوصيكما وجميع ولدي وأهلي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكما (صلَّى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام)[1].
فمعنى (ذاتَ البَيْنِ): هي حَقِيقَةَ الوَصْلِ، أَي: اتَّقوا الله وكونوا مُجْتَمِعين على أَمر الله تعالى ورسوله (صلَّى الله عليه وآله)، وكذلك معنى: (صلاح ذات البين): أَي إصلاح الحالَ التي بها يجتمع المسلمون[2]، وإنَّ الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله)، في كلامه الذي قاله عنه الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام)، للإمامين الحَسَنَين (صلوات الله تعالى عليهما)، الذي أكَّد فيه على أمر صلاح ذات البين بين أفراد المجتمع وجعل هذا الفعل كالصَّلَاة والصّيام، أو ممكن أن نفهم من قوله (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه من قام بإصلاح ذات البين والخلافات وتجاوزها ونبذها، فمن المؤكَّد أنَّه سيؤدّي الأمور العبادية الواجبة عليه كالصَّلَاة والصّيام وغيرها، وما هذا إلَّا من وجه التأكيد على لحمة المجتمع والحفاظ عليها.
الآثار التّربويَّة لإصلاح ذات البين:
 وما يتركه هذا الأمر-صلاح ذات البين- الأخلاقي من آثار تربوية إيجابيَّة في النفس الإنسانيَّة، أي: إذا امتثل شخص ما للقول أعلاه، وحاول إصلاح ذات البين ونبذ الخلافات بينه وبين أي طرفٍ آخر من فئات المجتمع الواحد، حتَّى وإن كان له الحقّ، فيكون هذا درسًا أخلاقيًّا وتربويًّا، ممَّا يجعل الطرف الثَّاني يغيّر من نظرته اتجاه هذا الشخص الذي حاول إصلاح ذات البين بينهما، وأعاد الحياة إلى الأواصر الاجتماعية بينهما وتماسكها، امتثالًا منه لما جاءت به الدَّعوة الإسلاميّة متمثّلًا بوصيّة الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) لولديه الإمامين الحسَنَين (عليهم السَّلَام).
وهذا العمل الأخلاقي التربويّ، إن مارسه شخص ما، في حياته سيجعل منه إنسانًا سويًّا، ومثالًا يُقتدى به في المجتمع، وسيرفع الله تعالى قدره وشأنه عنده سبحانه، لما قام به من عملٍ أخلاقيٍ وتربوي ولما ترك هذا العمل من آثار تربوية وأخلاقية في نفوس أفراد المجتمع.
 فالسّعي لإصلاح ذات البين ونبذ الخلافات الشخصيَّة وغيرها، والاتّسام بالتَّواضع والتَّسامح وحبّ الخير للآخرين من أقرانه بحد ذاته، يُعد عملًا خيريًّا، ومن قام به واقتدى بهذا الفعل النَّاس، فسيكون هذا العمل ثوابه عظيم عند الله تعالى.
وهذا الحديث لا يكفي عن موضوع (صلاح ذات البين)، لكن هذا ما يسعنا، وفي الختام: أن الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحَمَّد وآلهِ الطَّاهِرِين...
الهوامش:
[1] المعجم الموضوعي لنهج البلاغة، أويس كريم محمَّد: 360.
[2] يُنظر: لسان العرب، ابن منظور: 15/457.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3917 Seconds