الدّين النَّصيحة... مبدأ من مبادئ الثورة الحُسَينيَّة

مقالات وبحوث

الدّين النَّصيحة... مبدأ من مبادئ الثورة الحُسَينيَّة

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-08-2020

الشيخ: أحمد المعمار

الحمد لله  ربّ العالمين وصلَّى الله على مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطّاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم  ومبغضيهم إلى يوم القيامة وبعد...
يحل علينا شهر محرم الحرام هذا الشهر الذي حدث فيه حدثُ عظيم ومفجع للإسلام ألا وهو شهادة مولانا الإمام الحسين عليه السلام هذه المصيبة الكبيرة التي ميزت بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر حيث كاد الإسلام الذي جاء به الانبياء والرّسل أن يُمحى ذكره حيث أصبح أمام مفترق طرق إما الإسلام الذي أمر به الله أو إسلام الحكام والمماليك وعندما أحس مولانا الحسين عليه السلام خطورة هذا الأمر وأن الحكم الذي يجوع المسلمين ويسلب حقوقهم وصرفها على اللذات ويصبح الظالم فيه مظلوما ويُنصر تحت ذريعة الدين والتدين وغيرها من الأمور المخالفة خرج على هذه الزمرة التي كانت تحكم المسلمين بغير ماء الله تعالى طلبا للإصلاح كما قال (عليه السَّلَام):
(إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين)([1]).
وعند التأمل قليلا في عبارة الإمام (عليه السَّلَام) نجده يرد على الشبهات التي صنعتها الماكنة الإعلامية الأموية على أن خروجه عليه السلام خروجا مخالفا لخليفة المسلمين الذي يعد بمثابة الكفر!
فنجده عليه السلام يشير إلى أن خروجه لإرجاع الأمة إلى نصابها الحقيقي الموزون الذي يريده الله تعالى عن طريق إصلاحها وإصلاح الأحكام التي قررها يزيد بن معاوية والحكام الأمويين وليس ما تم ترويجه على الناس من خروج الحسين (عليه السَّلَام) للإفساد والظلم, والأمر المهم الآخر الذي نفهمه من عبارته (عليه السَّلَام) هو انقلاب الأصل بمعنى أن المعروف أصبح منكرا وبالعكس لذلك نرى أنّه قال (صلوات الله تعالى وسلامه عليه): (أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر) وهذه وظيفة الأنبياء أنهم عندما يرون أن الأمر يخرج عن الأسس الصحيحة يعملون بوظائفهم من ارجاع الأمة إلى المسار السليم ويكمل عليه السلام ويبين للناس أنه يمثل الحق عندما قال: فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق وهنا لابد من الإشارة إلى أنّه (عليه السَّلَام) لم يتحدث عن أمور شخصية كفضيلته بين المسلمين أو قرابته من رسول الله ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ) ولكن قيده بالحق والحق هو الذي يتكفل بسعادة الناس وراحتهم واستقرارهم والمحافظة على دينهم ودنياهم، ونفهم أيضا من كلامه (عليه السَّلَام) أن الذي يحكم به يزيد هو الباطل لأنه يستحيل أن يختلف الحق مع نفسه.
 ومع ذلك نرى الإمام (عليه السَّلَام) لا يهدد من لا يقبله مطلقا عندما قال : ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهذا هو المنهج القرآني:
(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)([2]).
وكذلك منهج رسول الله (صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيهِ وَآلِهِ) في دعوة الآخرين إلى الإسلام وهو بيان الحق لهم ويترك الخيار لهم ولكنه يعمل بوظيفته وهي إلقاء الحجة على الآخرين وهذا ما عمل به سَيِّد الشُّهداء (عليه السَّلَام)
ومرة اخرى حدَّث الإمام الحُسَين (عليه السَّلَام) أهل العراق عن ثورته المباركة ومبرراتها كانت خطبته هذه في الساعات الأخيرة التي سبقت القتال بينه وبين الجيش الأموي حيث ينقل أَنَّه (عليه السَّلَام) ركب فرسه، فاستنصتهم فلم ينصتوا، حتى قال لهم:
(((ويلكم ما عليكم أن تنصتوا، لي فتسمعوا قولي، وانما أدعوكم إلى سبيل الرشاد، فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين، وكلكم عاص لأمري، غير مستمع لقولي، فقد ملئت قلوبكم من الحرام، وطبع عل قلوبكم ويلكم، ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟)).
فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم، وقالوا:
أنصتوا له: فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمد وعلى الملائكة والأنبياء والرسل، وأبلغ في المقال.
ثم قال:
((تبا لكم أيها الجماعة وترحاً، أحين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم علينا ناراً أوقدناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم إلباً على أوليائكم، ويداً عليهم لأعداتكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم، وخسيس عيش طمعتم فيه، من غير حدثٍ كان منا، ولا رأي تفيّل لنا فهلا ـ لكم الويلات ـ إذ كرهتمونا وتركتمونا، تجهتموها والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا، وتداعيتم إليها كتداعي الفراش، فسحقاً لكم يا عبيد الامة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرفي الكتاب، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد الانبياء، ومبيدي عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين، ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون.
«وأنتم ابن حرب وأشياعه تعضدون، وعنا تخاذلون، أجل والله، الخذل فيكم معروف، وشجت عليه أصولكم، وتآزرت عليه فروعكم، وثبتت عليه قلوبكم غشيت صدوركم، فكنتم أخبث ثمرة:
شجى للناظر، وأكلةً للغاصب، ألا لعنة الله على الناكثين الذي ينقضون الأيمان بعد توكيدها ـ وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً ـ فأنتم والله هم.
«ألا وأن الدعي ابن الدعي  قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات من الذلة، ويأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية ونفوس أبية، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ... ألا وإني قد أعذرت وأنذرت، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة، مع قلة العدد وكثرة العدو، وخذلان الناصر.
ثم قال:

فإن نهزم فهزامون قدماً                    وإن نغلب فغير مغلبينا.

وما أن طبنا جبن ولكن                     منايانا ودولة آخرينا.

إذا ما الموت رفع عن أناس                  كلاكله أناخ بآخرينا.

فأفنى ذلكم سروات قومي                كما أفتى القرون الغابرينا.

فلو خلد الملوك إذن خلدنا               ولو بقي الكرام إذن بقينا.

فقل للشامتين بنا أفيقوا              سيلقى الشامتون كما لقينا)([3]).

ومن خطابه (عليه السَّلَام) نعرف أن الإمام (عليه السَّلَام) حدثهم عن أنفسهم وواقعهم المأساوي الذي يعيشون به وذلك بتوليهم للباطل وذكرهم بأنهم هم من دعوه إلى نصرتهم من الجلادين وانقلبوا بعد ذلك وقدموا العيش مع الظَّالمين والانصياع لهم على الشَّهادة مع الحق, فسلام عليك أيها الإمام الشَّهيد قدمت نفسك لله ولمرضاته سبحانه وكانت شهادتك سببا لحفظ الإسلام العظيم, والحمد لله ربّ العالمين، وصلَّى الله تعالى على سيِّدنا مُحَمَّدٍ وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين...

الهوامش:
([1]) بحار الأنوار: 44/ 329- 330.
([2]) سورة الإنسان: 3.
([3]) أعيان الشيعة: 1/ 602- 603.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3142 Seconds