من عوامل اصلاح الحاكم في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه): 3. أن يكون الحاكم قامعاً شهوته عن الحرام

مقالات وبحوث

من عوامل اصلاح الحاكم في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه): 3. أن يكون الحاكم قامعاً شهوته عن الحرام

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-02-2022

بقلم: د. عبد الزهرة جاسم الخفاجي

الحمد لله حمد الشاكرين، والشكر لله شكر الذاكرين، والصلاة وأتم التسليم على خاتم النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد.
وبعد:
لقد ورد في العهد الشريف الذي كتبه الإمام علي عليه السلام لمالك الاشتر رضوان الله عليه لما ولاه مصر جملة من العوامل التي تحدد صلاح الحاكم ومنها:

أن يكون الحاكم قامعاً شهوته عن الحرام:
«وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله»[1].      
يعد اجتناب محارم الله تعالى ركناً من أركان العقل، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اجْتَنِبْ مَحَارِمَ اللَّه وَأَدِّ فَرَائِضَ اللَّهِ تَكُنْ عَاقِلا»[2]، وكان الإمامُ عليٌّ (عليه السلام) حريصاً على تربية أتباعه على الكفّ عن المحارم فمن وصية له لإبنه الحسن (عليهما السلام): «..ولاورع كالكف عن محارم الله»[3].
«وشح بنفسك عما لا يحل لك»، الإنسان مجبول على حب الشهوات: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾[4].

ولكن الإمام علي (عليه السلام) يريد من عامله أنْ يكون ضنينًا بنفسه لا يعطيها لمفاتن الدنيا بلا حساب ولا حدود، وذلك بترويضها، والتضييق عليها فيما تحب من الحلال، حتى يتمكن منها وتنقاد اليه فيما ينهاها عن الحرام. وقد رسم الإمام علي (عليه السلام) منهجًا لترويض النفس فقال: «وَايْمُ اللهِ ـ يَمِيناً أسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ عَزَّوَجَلّ ـ لأَروِّضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهشُّ مَعَها إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً) وَلأدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاء، نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا»[5].
إنّ من أصعب ما يُبتلى الانسان به هو ابتلاؤه بنفسه ويتحدد مستقبل الإنسان في دنياه أو في الآخرة على مدى نجاحه في هذا الامتحان. فقد قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾[6].
وقد اعتبر النبي (صلى الله عليه وآله) منازعة النفس هواها هو الجهاد الأكبر فقد روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث سريّة، فلمّا رجعوا، قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النفس، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): «افضل الجهاد من جاهد نفسه بين جنبيه)»[7].
وفي حديث للإمام علي (عليه السلام) يقول: «أشجع الناس من غلب هواه»[8].
ويرى (عليه السلام): «أنّ صلاح النفس مجاهدة الهوى»[9] ويحذر من شهوات النفس ويعتبرها مفتاحاً لمعصية الله تعالى فيقول: «مَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيءٌ إلاَّ يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ. فَرَحِمَ اللهُ رَجُلاً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ، فَإنَّ هذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْءٍ مَنْزِعاً، وَإنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فِي هَوىً»[10]. وكسر النفس عن الشهوات هي دعوة الى التعفف «إذ من المستحيل أن يكون عفيفاً متى استرسل مع شهواته»[11] ويعرف ضبط النفس ومنعها من الاسترسال وراء رغباتها عند فلاسفة الأخلاق بـ (الاعتدال) وعرف أرسطو الاعتدال بأنه: «الوسط القيم في كل ما يتعلق باللذّات»[12] في حين إنّ عدم الاعتدال يعني: «افراطاً في اللذات وأَنَّه مذموم»[13]. 
ويرى الإمام علي (عليه السلام) في التقوى ترويضاً للنفس على كبح الشهوات والوصول إلى ضفة الأمان؛ فتحدث عن نفسه قائلاً: «وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الاَكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ»[14] [15].


[1]  شرح نهج البلاغة، 17/30.
[2] الهيثمي، نور الدين علي بن سليمان (ت 807هـ) بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، تحقيق: حسين احمد صالح، السعودية، الجامعة الإسلامية، ط1-1992م، ح 829، 2/809.
[3] القبانجي، السيد حسن، مسند الامام علي (عليه السلام)، تحقيق: طاهر السلامي، بيروت، مؤسسة الأعلمي، ط1- 2000م، 4/475.
[4]  آل عمران:14.
[5]  صبحي الصالح، نهج البلاغة، ص419.
[6]  النازعات: 40.
[7]  الحر العاملي (ت1104هـ) وسائل الشيعة، تحقيق: مؤسسة آل البيت، قم، مؤسسة آل البيت، ط2، 1414هـ، ح 20216، 15/135.
[8]  الصدوق (ت381هـ) معاني الأخبار تصحيح: علي أكبر الغفاري، قم - مؤسسة النشر الإسلامي 1379هـ ص.195
[9]  الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، قم، دار الحديث، ط1، 1422هـ، ح 20503، 10/4399.
[10]  صبحي الصالح، نهج البلاغة، خ 176، ص251.
[11]  الفكيكي، توفيق، الراعي والرعية، بغداد، مطبعة اسد، 1962م، ص62.
[12]  ارسطوطاليس، علم الاخلاق، نقله الى العربية: أحمد لطفي السيد، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1924م، ص316.
[13]  م. ن ص321
[14]  صبحي الصالح، خ 45، ص417.
[15] لمزيد من الاطلاع ينظر: صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه: للدكتور عبد الزهرة جاسم الخفاجي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص58 – 63.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2640 Seconds