من آثار نهج البلاغة في المستوى التعبدي لدى المفسرين: سابعاً: فلسفة الحج

مقالات وبحوث

من آثار نهج البلاغة في المستوى التعبدي لدى المفسرين: سابعاً: فلسفة الحج

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-01-2023

بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.

أما بعد:
لا يخفى على وجدان كلّ مسلم ما للحج من أهمية قصوى وصولاً إلى مرضاة من الله تعالى، إذْ أنَّه يُعدُّ ركناً من أركان الإسلام وهذا هو الثابت من حديثه صلى الله عليه وآله وسلم: ((بُبني الإسلام على خمس: شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً))([1]).
لذا يُعدُّ الحجّ من أهم العبادات التي شُرّعت في الإسلام ولها آثار وبركات كثيرة جدّاً، فهو مصدر عظمة الإسلام وقوّة الدّين واتّحاد المسلمين، إذْ إنَّها الشعيرة العباديّة التي ترعب الأعداء وتضخ في كلّ عام دماً جديداً في شرايين المسلمين([2]).
لهذا فليس غريباً أنْ نرى مثلَ أمير المؤمنين علي عليه السلام في لحظات فوزه بالشهادة وختام حياته الكريمة يوصي بالحج ويَعدُّه رمز بقاء الأمة والمسلمين، إذْ قال عليه السلام: ((الله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم، فإنَّه إنْ ترك لم تناظروا))([3]).
وفي الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام في بيان وصف الأحكام كما ورد في نهج البلاغة أنّه أشار إلى أهميّة الحجّ الكبيرة وقال: ((فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك... والحجّ تقوية للدّين))([4]).

ففي بيان هذه الأهمية الكبرى لهذه الشعيرة استدل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بهذا الحديث في تفسيره مبيناً أهمية هذه الشعيرة ([5]).
كما أنَّه استدل بالخطبة المسماة "بالقاصعة" على أنَّ فريضة الحج أول ما شرعت في زمن آدم عليه السلام وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {وَإذ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }([6])، إذْ قال ما نصه: "فإبراهيم وإسماعيل قد رفعا قواعد البيت التي كانت موجودة، وفي خطبة للإِمام أمير المؤمنين علي عليه السلام في نهج البلاغة، وهي المسماة بالقاصعة، يقول:(( ألا تَرَوْنَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ اِخْتَبَرَ الأولِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ إلى الآخرينَ مِنْ هذَا الْعَالَم بِأَحْجَار... فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ... ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عليه السلام وَوَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ...))([7])
 وهكذا نرى المفسر ينوع في اختيار الخطب ليقوي بها رأيه ويعضد تفسيره، فخطب نهج البلاغة هي القول الفصل في ترجيح بعض الوجوه على بعض، إذْ اتضح من خلالها أنَّ تشريع الحج كان منذ زمن آدم عليه السلام، وهذا مؤكد؛ لأنَّ عبادة الله سبحانه وتعالى وإقامة أماكن العبادة لم تبدأ في زمن إبراهيم، بل كانتا منذ أنْ خلق الإنسان على ظهر هذه الأرض.
ثامناً: حقيقة الاستقراض وأهمية الإنفاق)[8].

الهوامش:
([1]) المعتبر في شرح المختصر، نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن المحقق الحلي (ت676 هـ)، تنقيح: عدة من الأفاضل، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام ـ قم، (د. ت)، 2/ 11.
([2]) ظ: حول مسائل الحج، السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني، (ت1414هـ)، دار القرآن الكريم ـ قم المشرفة ـ إيران، ط/2، 5.
([3]) نهج البلاغة، 3/ 77.
([4]) نهج البلاغة، 4/ 55.
([5]) الأمثل، 2/ 45.
(1) البقرة، 172.
([7]) الأمثل، 1/383، والنص في نهج البلاغة، 2/ 147.
([8] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص  176-178.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2199 Seconds