مناقشة أقوال الآلوسي في تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ودفاعه عن خصوم فاطمة عليها السلام. سادساً: المغالطة في جواز تخصيص آحاد الأحاديث وتعميمه لغرض دفع معارضة حديث (لا نورِّث) للقرآن والسُنّة واللغة.

مقالات وبحوث

مناقشة أقوال الآلوسي في تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ودفاعه عن خصوم فاطمة عليها السلام. سادساً: المغالطة في جواز تخصيص آحاد الأحاديث وتعميمه لغرض دفع معارضة حديث (لا نورِّث) للقرآن والسُنّة واللغة.

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-06-2023

بقلم: السيد نبيل الحسني.

قال الآلوسي: (إنَّ تخصيص القرآن بخبر الآحاد جائز على الصحيح، وبجوازه قال الأئمة الأربعة ، ويدل على جوازه أن الصحابة خصصوا به من غير نكير فكان إجماعاً ... )[1].
أقول:
1- إنَّ أوّل ما ينماز به هذا القول هو الإقرار بأن حديث (لا نورِّث) هو من الآحاد، ومن ثم بطل ما اَحتج به الآلوسي-مسبقاً- في نفي الآحاد عن الحديث ودفاعه عنه عند إيراده لحديث مجيء أمير المؤمنين الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) والعباس بن عبد المطلب الى عمر بن الخطاب (وهما يختصمان) كما يروي البخاري ومسلم ، فضلاً عن بطلان احتجاجه بأن الشيعة رووا في الكافي عن الصادق (عليه الصلاة والسلام) في تخصيصهم لوراثة الأنبياء عليهم السلام للعلم حصراً ، ونفي التوارث بالمال.

2- أما جواز العمل بالآحاد عند أئمة المذاهب الأربعة، فهو لا يصلح للاحتجاج به على الشيعة، فالشيعة يرجعون إلى أئمتهم وهم عترة النبي (صلى الله عليه وآله) وثقله الأصغر في أمته بعد القرآن، أي الذين جعلهم الله حججاً على خلقه وأمناء على شريعة رسوله (صلى الله عليه وآله).
 فلشيعة قناعاتهم بالتمسك بأئمتهم فهم لا يأخذون بقول الأئمة الأربعة في الفقه والعقيدة ، وذلك أنهم لم يأتوا عِبْرَ سقيفة بني ساعدة، ولا بالنص من أبي بكر في خلافة عمر، ولا من شورى عمر في خلافة عثمان ، وإنما بالجعل الإلهي والبيان النبوي.
ومن ثم: فإن جواز التشريع بالآحاد من الأحاديث شيء، وتعميمه على حديث (لا نورِّث) الـمُعارض للقرآن والسُنَّة النبوية واللغة شيءٌ آخر.

3 ـ وأمّا قوله: (ويدل على جوازه [أي العمل بآحاد الحديث] أن الصحابة خصصوا به من غير نكير، فكان إجماعاً) فتعميمه على جميع الصحابة لا يصح ، وذلك لتقرير أهل العلم بأن الإجماع إما حسي أو حدسي أو كشفي ، وهو غير متحقق في مدعى الآلوسي.
فضلا عن كونه لا يصمد أمام الأحاديث الصحيحة التي لا تنفي عن بعض الصحابة ومن أخذ بسنتهم فكانوا أقواما مجتمعة على التبديل في شرع الله تعالى، كما أخبر عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجه البخاري ومسلم في مواضع عدّة من صحيحيهما.
فقد (روى الحميدي[2] في الجمع بين الصحيحين عن سهل بن سعد[3] قال: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وآله]، يقول:
 «أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردّن عليَّ الحوض أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقًا سحقاً لمن بدل بعدي»[4].
وفي الجمع بين الصحيحين من مسند عبد الله بن عباس[5]  قال: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
«ألا أنّه سيجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

فأقول: كما قال العبد الصالح[6]:
  {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [سورة المائدة/117-118].
فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم»[7].
وفي الجمع بين الصحيحين من مسند أنس بن مالك[8]  قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله):
«لَيَرِدَنَّ عليَّ الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم، ورفعوا إلي رؤوسهم، اختلجوا، فأقول: أي رب! أصحابي أصحابي، فليقالنّ لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»[9] .

فإذا كان هذا حال بعض الصحابة، مع أنهم الرعيل الأول في الإسلام، ولهم السابقة فيه، فكيف حال غيرهم؟!
بل السؤال الأهم: كيف لا يجوزون العمل بالآحاد من الأحاديث كحديث، وكيف لا يتضافرون على هضم بضعة النبوة وصفوة الرسالة فاطمة (عليها السلام) وقد جوَّزوا ما هو أعظم من الأخذ بالآحاد، وهو الهجر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) -والعياذ بالله- في رزية يوم الخميس المشهورة في الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها؟!
ومِنْ ثمَّ : لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك ، إلا أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها ، هي : تضافر الأمة على هضم فاطمة (عليها السلام) وقد تجلّت في دفاعهم عن خصومها والانتصار لهم ، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بعد أن واراها في الثرى ، فحوّل بوجهه إلى الروضة النبوية ، فقال:
« السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي ، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ...»[10] إلى أن يقول: «وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[11] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين»[12] . [13]

الهوامش:
[1] تفسير الآلوسي : ج4 ص218
[2]  محمد بن فتوح بن عبد الله الأزدي الميورقي الحميدي: مؤرخ محدث، أندلسي، من أهل جزيرة ميورقة، أصله من قرطبة، كان ظاهري المذهب، وهو صاحب ابن حزم وتلميذه. رحل إلى مصر ودمشق ومكة، وأقام ببغداد فتوفي عام 488 ه‍، من كتبه: الجمع بين الصحيحين - خ، الأعلام: 7 / 218 - 219 باختصار
[3] سهل بن سعد الخزرجي الأنصاري، من بني ساعدة: صحابي، من مشاهيرهم. من أهل المدينة، عاش نحو مائة سنة. توفي عام 91ه‍. له في الصحيحين 188 حديثا، الأعلام: 3/ 210.
[4]  ينظر: صحيح مسلم: ج 4 ص 1793.
و.. عن أبي حازم قال: سمعت سهلا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول:" أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم".
قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول؟ قال: فقلت: نعم. قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري: لسمعته يزيد فيقول: "إنهم مني فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي".
ينظر: الجمع بين الصحيحين: مصورة مكتبة الإمام الحكيم العامة، رقم 123، ج1، ورقة 204، وصحيح مسلم: ج 4 ص 1793، كتاب الفضائل حديث 26، وصحيح البخاري: 8 / 120.
وفي طبعة أخرى: 2 / 974، 1045.
والذي في المخطوطتين مختصر، حيث الجمل المعترضة مختزلة.
[5]  عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي: حبر الأمة، الصحابي الجليل. ولد بمكة. ونشأ في بدء عصر النبوة، فلازم رسول الله [صلى الله عليه وآله]، وروى عنه الأحاديث الصحيحة. وشهد مع علي (عليه السلام) الجمل وصفين، وكف بصره في آخر عمره. فسكن الطائف، وتوفي بها عام 68 ه‍. له في الصحيحين 1660 حديثا. وينسب إليه كتاب في تفسير القرآن - ط، جمعه بعض أهل العلم، من مرويات المفسرين، عنه. الأعلام: 4 / 228 - 229 باختصار.
[6] يريد بالعبد الصالح: عيسى عليه السلام، كما في: مجمع البيان في تفسير القرآن: م 2 ص 269.
[7] ينظر: صحيح مسلم: ج4 ص 2194-2195، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 58، وصحيح البخاري -طبعة الهند-: 2 / 693، وعوالي اللئالي: 1 / 59.
[8]  أنس بن مالك بن النضر النجاري الخزرجي الأنصاري: صاحب رسول الله [صلى الله عليه وآله] وخادمه. روى عنه البخاري ومسلم 2286 حديثا. مولده بالمدينة، ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة. فمات فيها عام93ه‍.
[9]  ينظر: صحيح مسلم: ج4 ص1800، كتاب الفضائل، حديث 40، وصحيح البخاري -طبعة الهند-: 2/976.
[10] الكافي ، الكليني : ج1 ص458 ؛الأمالي ، الشيخ المفيد :ص283 ؛  نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم 202 .
[11] نهج البلاغة، الشريف الرضي: الخطبة رقم: 202
[12] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[13] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 206 / 210 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م – مع بعض التصرف والإضافة- .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2161 Seconds