بقلم: د. زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
شفَّانٌ ذِهابها
ومن روائع كلامه (عليه السلام) في الاسْتِسْقَاءِ قوله: ((لَا قَزَعٌ رَبابُها، وَلَا شفَّانٌ ذِهابها))([1]). التركيب الغريب الذي ورد في كلامه( شفَّانٌ ذِهابها)، والشَّفان من أصل(شفّ).قال الخليل: الشفَّانُ هي: ((بردُ ريحٍ في ندوة)) ([2]). و((الشَّفَّانُ: الرِّيحُ الْبَارِدَةُ ، يُقَالُ: شَفَّتْ شَفِيفًا وَهِيَ تَشِفُّ وَلَيْلَةٌ شَفَّانُ، وَلَيْلَةٌ ذَاتُ شَفَّانَ))([3])، ومنهم من قال هي: (( الرِّيحُ الْبَارِدَةُ مَعَ الْمَطَر))([4])، وأمَّا (الذِهاب) فهي مفردة (الذّهْبَة) ومعنى الذّهْبَة هي: المَطْرة الجَوْدة([5]).
ذكر ابن الأثير: الذِّهاب بِالْكَسْرِ: الأمطارُ اللينةُ. والشَّفَّان: الريح الباردة، وَيتضح من قوله يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَفَّان مِنْ شَفَّ إِذَا نقَص: أَيْ قَلِيلَةٌ أمْطارُها([6])، ونظم السياق يسعف المعنى بقوله(عليه السلام) (ولا قزع ربابها )، القزع: القطع الصغار المتفرقة من السحاب.وقوله(عليه السلام)( ولا شفان ذهابها) وفي الكلامِ مضافٌ محذوفٌ، تقديرُه: ( ولا ذات شفَّان ذهابها )،، فحذف ( ذات ) لعلم السامع به([7]).فالإمام(عليه السلام) في دعائه لا يريد من السماء ان تكون امطارا قليلة، ولا ريحًا باردة مع الأمطار، بل يريد امطارا مدرارا هاطلة في قوله: ((.... وأنزلْ علينا سماء مخضلة، مدرارا هاطلة، يدافع الودق منها الودق)) ([8]).
وقد استعمل الإمام (عليه السلام) اللفظة بدلالتها المعجمية إنَّما اختارها(عليه السلام) ليعرّف الناس بلطف الله –تعالى- وفضله، ورحمته ويفهَمَهُم أنَّ مَسَارَ النِّعْمَةِ مَلىءٌ بِكَثيِرٍ مِن المَوانِعِ حَيْثُ لا يَسِعَهُم بلوُغِ الكَمَالِ المَنْشُودِ مَا لَمْ تَشْمِلْهُمْ رِعايَةَ اللهِ وَرَحْمَتِهِ)([9]).
الهوامش:
([1]) النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/173،2/288، تاج العروس: (ذهب)2/454.
([2]) العين: (شف)6/222.
([3]) غريب الحديث: الحربي: 2/820، وينظر: المخصص: 2/408.
([4]) لسان العرب: (شف)9/182.
([5]) ينظر: العين: (ذ ه ب) 4/41، وتاج العروس: (ذهب)2/454.
([6]) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/288.
([7]) ينظر: م. ن: 2/173، ونهج البلاغة بشرح ابن الحديد: 7/263، ولسان العرب(ذهب)1/396، وتاج العروس: (ذهب)1/508.
([8]) نهج البلاغة بشرح ابن الحديد: 7/262.
([9]) مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص194-195.