المنطلقات الأولى للتشيع وأثرها في المعترضين على أحداث السقيفة

مقالات وبحوث

المنطلقات الأولى للتشيع وأثرها في المعترضين على أحداث السقيفة

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-05-2018

المنطلقات الأولى للتشيع وأثرها في المعترضين على أحداث السقيفة

 

انبلج نور الإسلام بغرة النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ ناغمه جبرائيل(عليه السلام) بالرسالة، وبشره بالنبوة، وأصبح رسول الله لهداية الناس من الظلمات إلى النور، وقد بدأ بأهله الأقربين.

 

 كانت الرسالة الإسلامية في بداياتها ترتشف من معين السماء، وتترعرع شيئا فشيئا على أكتاف أول المسلمين بها، وفي مقدمتهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) . إذ جمع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كبار قريش في بيته وأطلعهم على النبأ العظيم، وعيَّن في هذا الاجتماع - بأمر من ربه - عليًا بن أبي طالب(عليه السلام) وليَّا لعهده، بعد أن قال لهم: ((يا بني عبد المطلب ، إن الله بعثني إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال عز وجل:(وانذر عشيرتك الأقربين)([1]) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار:  شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به ، يكن أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي))([2])،  فلم يجب أحد منهم . فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فقمت بين يديه من بينهم – وأنا إذ ذاك أصغرهم سنا، وأحمشهم([3])ساقا ، وأرمضهم([4]) عينا - فقلت : أنا - يا رسول الله - أؤازرك على هذا الأمر . فقال: اجلس ، ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا ، وقمت فقلت مثل مقالتي الأولى ، فقال: اجلس . ثم أعاد على القوم مقالته ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقلت : أنا أؤازرك - يا رسول الله على هذا الأمر ، فقال : اجلس ، فأنت أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي. فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب: يا أبا طالب ، ليهنك، اليوم إن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميرا عليك([5]).

 

 ومن هذا الحديث يتبين: أنَّ المرحلة التأسيسية للتشيع، لم تكن شيئاً مفصولا عن مرحلة تأسيس الدولة الإسلامية، التي باشرها الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )؛ لأنَّ أول عمل قام به الرسول خلال الدعوة السرية هو ربط الإسلام بالإمام علي (عليه السلام)، وعرف هذا الحديث بحديث الدار إذ جعل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الإمام علياً ( عليه السلام) وصياً له وخليفة من بعده كما تقدم.

 

ومن  المحال عادة أن يعيّن قائد نهضته أحد أصحابه ووزيراً وخليفة له ويعلنه على الملأ فيما يبقى الأمر مخفياً على الخلص من أنصاره والثلة المضحية، فكان تنصيب الإمام علي (عليه السلام) منذ بزوغ الرسالة السماوية، معروف أمره بين الثلة الصالحة من الصحابة الذين اتخذوا من هذه الحادثة - حديث الدار- وما تلاها حججا وأدلة ساقوها على الغاصبين لحق الإمام علي عليه السلام في احداث السقيفة وطلب البيعة لأبي بكر ثم أُعلن على وفق مراسيم امتزجت بالمعجزة النبوية في حديث الدار، ولم يترك مجال لمعترض أو مشكك في أفضلية أمير المؤمنين( عليه السلام) على سائر الحاضرين في الدار وخارجها، وأسلوب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) يُنبئ عن أبعاد مستقبلية كان يعيها ويعلمها (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وقوعها، أهمها تصدي من حارب ظهور الإسلام وانتشاره إلى منصة الحكم باسم الإسلام، ومزاحمة أهل الدين وحملة الكتاب على حقهم وسبقهم فيه، وحديث الدار هذا وحده كاف ليترجم لنا مظلومية أهل البيت(عليهم السلام) وتمييز أصحاب الدين الذي فيهم تشبثت عروقه، من الذين ينعقون مع كل ناعق، لذلك أجلس النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام عليا(عليه السلام) ثلاث مرات بعد تكرار دعوته إليهم وهم صامتون مستهزئون، وبعدها أعلن ولاية الإمام (عليه السلام) حتى لا يدعي أحد منهم بعد حين أن الأمر دُبِّرَ بليل.

 

إذاً طرح الإسلام كان مربوطاً بشخص، وإظهار مكانته حتى يتم الارتباط به من طرف عموم المسلمين. والمواقع متعددة لإثبات مكانة الإمام علي(عليه السلام) من الدار إلى الغدير؛ وباتت جلية تلك المواقف للمسلمين، إذ سطر فيها الإمام علي( عليه السلام) أروع الإنجازات، وأكبر التضحيات، سواء في ميادين الجهاد أو محافل العلم وخفايا الدين، لذلك نرى أول ما عمله الصحابة الخلَّص هو الاعتراض على بيعة أبي بكر، والاجتماع في منزل فاطمة (عليها السلام)، وهذا الرفض لم يكن وليد صدفة أو اللحظة ذاتها؛ لأنه لمجرد الانتهاء من تغسيل الرسول ودفنه احتجوا على المنفذين لهذا الأمر- أي البيعة-، وهذا دليل على أن هناك أرضية مشتركة يعملون من خلالها، فيصير مصطلح الشيعة إذاً هم أولئك الذين يشايعون علياً وأولاده( عليهم السلام) بوصفهم خلفاء الرسول وأئمة للناس بعده، نصبهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا المقام بأمر من الله سبحانه وتعالى وذكر أسمائهم . وقد قال الإمام علي (عليه السلام) في هذا المقام: ((لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً . هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة))([6])، وختاما الأمر متروك لكل ذي لب بأن يتمحص في الاختيار ويوالي من بهم نجاته.

الهوامش:

([1]) الشعراء: 214.

([2]) الإرشاد، الشيخ المفيد(ت: 413هـ) تحقيق: مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع،  بيروت- لبنان، ط2،  1414ه- 1993م : 1/ 49، وينظر: وإعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطوسي(ت: 548هـ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، نشر: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث-قم المشرفة، ستارة- قم، ط1، 1417هـ : 1/ 322، و كشف اليقين، العلامة الحلي(ت: 726هـ)، تحقيق: حسين الدركهاي، ط1، 1411هـ: 258، والغدير، الشيخ الأميني(ت: 1392هـ)، ، دار الكتاب العربي - بيروت – لبنان، ط4،  1397 - 1977 م : 2/ 282.

([3]) حمش: رجلٌ أَحْمَشُ الساقين: دقيقهما. ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت: 393هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار،  دار العلم للملايين - بيروت، ط4، 1407 هـ‍ - 1987 م: 3/ 1002.

 

([4]) الرمض : وسخ يجتمع في مجرى الدمع ، ينظر: الصحاح :3 / 1042 .

 

([5]) ينظر: الإرشاد: 1/ 50، وأعيان الشيعة، السيد محسن الأمين(ت: 1371ه)، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت- لبنان،(د. ط) ، (د. ت): 1/ 231.

 

([6]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (ت: 656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية- عيس البابي الحلبي وشركاه، ط1، 1378هـ ت 1959م: 1/ 140، وتاريخ الشيعة بين المؤرخ والحقيقة، الدكتور نور الدين الهاشمي ، مركز الأبحاث العقائدية - قم – ايران، ستارة – قم، ط1، 1428ه: 189.

 

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.3454 Seconds