بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
(فَعَل فِعْل السادة، وفرّ فرار العبيد) ([1])
(قبَّح الله مصقلة ([2]) فَعَل فِعْلَ السادة وفرَّ فرار العبيد، فما أنطق مادحه حتى أسكته...) ([3]).
كان بنو ناجية ارتدوا عن الإسلام، ولما ولي علي بن أبي طالب (عليه السلام) دعاهم إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام الباقون على الردة، فسباهم واسترقهم فاشتراهم مصقلة بن هبيرة منه وأدى ثلث ثمنهم وأشهد الباقي على نفسه ثم أعتقهم وهرب من تحت ليله إلى معاوية ([4]).
وفي رواية البلاذري ([5]): أن علياً سبى بني ناجية وكانوا نصارى قد أسلموا ثم ارتدوا، فقتل مقاتلتهم وسبى الذرية فباعهم من مصقلة بمائة ألف فأدى خمسين وبقيت خمسون فأعتقهم ولحق بمعاوية فأجاز علي عتقهم.
وبعد أن لحق مصقلة بمعاوية في الشام كتب إلى أخيه نعيم بن هبيرة، وكان أخوه شيعياً لعلي مناصحاً، (أما بعد، فإني قد كلمت معاوية فيك، فوعدك الإمارة، ومنّاك الكرامة، فأقبل إلي ساعة يلقاك رسولي، إن شاء الله، والسلام عليك) ([6]).
ويورد أبو هلال ([7]) في قولهم: (حتى يؤوب المنخل)
الذي يتمثل به في البأس عن الشيء ومثله (حتى يرجع مصقلة من طبرستان) وهذا قول أهل الكوفة، ويذكر سبب هروبه وأنه كان على أردشير-خره([8])، وينسب قولاً لمصقلة بن هبيرة بعد لحوقه بمعاوية:-
تركتُ نسـاءَ الحي بكـرِ بن وائــلِ واعتقتُ سبياً من لؤيِ بن غالبِ
وفـارقتُ خيرَ الناسِ بعد محمـــدٍ لمالٍ قـلـيـلٍ لامحـالـةَ ذاهــــــبِ ([9])
أما المثل (حتى يرجع مصقلة من طبرستان) عند أهل الكوفة هو معرفتهم بأن مصقلة بعد هروبه من الإمام أتى معاوية فولاه طبرستان بعد أن جهز له جيشاً كثيفاً وقتل هناك ولم يعد...) ([10]).
الهوامش:
([1])- البلاذري: أنساب الأشراف ص417، الطبري: 3/315 حوادث سنة ثمانِ وثلاثين.
([2])- مصقلة بن هبيرة: بن شبل الثعلبي الشيباني من بكر بن وائل وقائد من الولاة، كان من رجال علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأقامه علي عاملاً له في بعض كور الأهوار، وتحول إلى معاوية، ولاه معاوية طبرستان، وضرب الناس به المثل، قتل في أثناء ودته بعد إهماله ما يسمى في مصطلحات المعارك (خط الرجعة) فعندما اجتاز بعض عقباتها تسلط عليه العدو فقذفوه بالحجارة ومات سنة 50هـ.ترجمته: ابن قتيبة: المعارف ص403؛ البلاذري: أنساب الاشراف، ص160؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان، 4/15، الزركلي: الأعلام، 7/249.
([3])- ابن أبي الحديد، 3/199 كلام (44).
([4])- إبراهيم الثقفي: الغارات، ص773.
([5])- أنساب الأشراف، ص417.
([6])- الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/315.
([7])- جمهرة الأمثال، 1/362.
([8])-أردشير خرة: كورة قديمة رسمها نمرود بن كنعان ثم عمرها بعده سيراف بن فارس شديدة الحر كثيرة الثمار قصبتها سيراف ومعنى أردشير خره ولد أزدشير، وعند بعضهم معناه بهاء اردشير وأردشير ملك من ملوك الفرس، ينظر: البلاذري فتوح البلدان، 2/478؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان، 1/146؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان، 7/77.
([9])- العسكري: جمهرة الأمثال 2/63.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 209-210.