من الأمثال العربية في نهج البلاغة قوله عليه السلام: (قيمة كل امرئ ما يحسنه)

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من الأمثال العربية في نهج البلاغة قوله عليه السلام: (قيمة كل امرئ ما يحسنه)

146 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 02-01-2025

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان.

وبعد:

قيمة كل امرئ ما يحسنه([1])

قال أبو عثمان الجاحظ([2]) في وصف هذا الكلام:

فلو لم نقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية،  مجزئة مغنية،  بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية وغير مقصرة عن الغاية،  وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره،  ومعناه في ظاهر لفظه،  وكان الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة،  وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله،  فإذا كان المعنى شريفاً واللفظ بليغاً وكان صحيح الطبع بعيداً من الإستكراه،  ومنزهاً عن الإختلال،  مصوناً عن التكلف،  صنع في القلب صنع الغيث في التربة الكريمة،  وحتى فصلت هذه الكلمة عن هذه الشريطة ونفذت من قائلها على هذه الصفة،  أصبحها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمتنع عن تعظيمها صدور الجبابرة ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة.

وقال ابن عبد البر([3]):

إن قول علي بن أبي طالب (عليه السلام) (قيمة كل امرئ ما يحسن) لم يسبقه إليه أحد، وقالوا: ليس كلمة أحض على طلب العلم منها.

ثم أردف بقوله([4]): (قيمة كل امرئ ما يحسن) من الكلام العجيب الخطير وقد طار الناس إليه كل مطير،  ونظمه جماعة من الشعراء اعجاباً وكلفاً بحسنه.

وقد صاغ الناشئ الأكبر (ت293هـ)([5]) معنى هذه الكلمة صياغة شعرية بقوله:

تأمّل بعينيكَ هـذا الأنام                 فكنْ بعضَ من صانُه عقلهُ

فحليةُ كل فتىً فضــــلُهُ                   وقيمــةُ كـــل امــــرئٍ نبلُهُ

فلا تتكلْ في طلب العلا                  على نســـبٍ ثـــــابتٍ أصلُهُ

فمــا من فتىً زانَهُ قـــولُهُ                   بـــشيءٍ يخالفُــــــهُ فِعـــلُهُ

وجاء في مقدمة الهمداني (ت302هـ): وقد قال سيد المسلمين وإمام المتقين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (قيمة كل امرئ ما يحسنه) وقال (الناس أبناء ما يحسنون)([6])

ورواه بعض المحدثين شعراً:

قـال عليُّ بن أبي طالـــبٍ                       وهـــــو اللبيبُ الفَــــطنُ المتقنُ

كل امرئ قيمتهُ عــــندنا                        وعندَ أهــــلِ العلمِ ما يحسِنُ([7])

وضمن هذا الكلام قال ابن طباطبا([8]): قصيدة منها:

يزعمُ أن العلمَ لا يجلبُ الفتى             ويحسنُ بالجهل الذميم ظنونُهُ

فيا لائمي دعني اغالي بقسمي               فقيـمةُ كـلِّ امـرئ ما يحسـنُ([9])

وأورد ياقوت الحموي في نفس الكلام مورداً جميلاً، افتتح به كتابه المعروف معجم الأدباء الذي رام على ثمانية عشر جزءاً، باب فضل الأدب وأصله وذم الجهل وحمله قال([10]): قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) (كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح إذا أنسب إليه) ويؤكد بعض المحدثين من الشعراء صاغوا ذلك القول شعراً:

كفى شرفاً للعلم دعواه جاهلُ                     ويفــرحُ أن يُدعى إليــه ويُنســبُ

ويكفــي خمولاً بالجــهالةِ أنّنـي                      أراعُ حتى أنسبَ إليهـا وأغضب([11])

وقال (عليه السلام): قيمة كل إنسان ما يحسن، فنظمه شاعر وقال:

لا يكون الفصيحُ مثل الرزي          ولا ذو الذكاءِ مثلَ الغبي

قيمـــةُ المـترءِ ما يحســنُ المـــر            ءُ  قضــاءٌ من الإمام علي([12]))([13]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة: باب الحكم، حكمة 81.
([2]) البيان والتبيين، 1/83، 2/70.
([3]) جامع بيان العلم وفضله، ص99.
([4]) المصدر السابق، ص100.
([5]) الناشئ الأكبر: هو أبو العباس عبد الله بن محمد الأنباري البغدادي المعروف شرشير، كان نحوياً متكلماً شاعراً عروضياً له قصيدة في فنون العلم تبلغ أربعة آلاف بيت على روي واحد وقافية واحدة في الكلام، سلك فيها طريق الفلسفة، قيل أنه كان ثنوياً، وكان البيت في هذا اللقب أنه دخل مجلساً فيه أهل الجدل، فتكلم فتى حدث أسن على مذهب المعتزلة، فجوّد وقطع من ناظره، فقام شيخ فهم فقبله على رأسه وقال: لا أعرض الله مثل هذا الناشئ أن يكون فينا وينشأ في كل وقت مثله لنا.
ينظر: ابن النديم: الفهرست ص302.
([6])- عبد الرحمن بن عيسى بن حماد الهمداني (تت320هـ): الألفاظ الكتابية: علق عليه: نبيل يعقوب، دار الكتب العلمية، 1991م،  ص9.
([7]) البيهقي: إبراهيم بن محمد (ت320هـ)، المحاسن والمساوئ، ص399.
([8]) ابن طباطبا: هو محمد بن إبراهيم بن طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين عليهم السلام، عالم فاضل، شاعر، أديب، وكان ابن المعتز يقدمه على سائر الشعراء من أهله، توفي ابن طباطبا بأصفهان سنة 322هـ ومن مؤلفاته (الشعر والشعراء).
ينظر: ابن النديم: الفهرست، ص220.
([9]) ابن عبد ربه: العقد الفريد 2/216، ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 17/150.
([10]) معجم الأدباء 1/25.
([11]) معجم الأدباء 1/25: لم أقف على اسم الشاعر.
([12]) المصدر السابق: لم أقف على اسم الشاعر.
([13]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 251-254.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3017 Seconds