بقلم: د. حسام عدنان الياسري.
الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.
وبعد:
وسق الإبل، فاستوسَقَت. أي طردها فاطاعت([1]). واستوسقتِ الإبل، اجتمعت وانضمت([2]). والوَسِيْقَة من الإبل كالرِّفقة من الناس([3]). وتساوقت الإبل، تتابعت([4])، و(اسْتَوْسَقَت)، و (تَسْتَوسِقوا) من مفردات نهج البلاغة؛ إذ وردتا مرة واحدة([5]). للدلالة على الطاعة والاجتماع وعدم التفرق عن الأمر. ومن ذلك قوله (عليه السلام) مخاطباً الناس في سياق الذم والتقريع: ((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِي وَعَظَ بِهَا الأنْبِيَاءُ أُمَمَهُمْ، وَأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الأوصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا، وَحَدَوْتُكُمْ بالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا. لله أنْتُمْ! أَتَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ الطَّرِيقَ، وَيُرْشِدُكُمُ السَّبِيلَ؟...))([6]). يتضمن كلام الإمام الإشارة إلى أمرين؛ الأول منهما مقدمة للثاني. ويذكر (عليه السلام) ما أداه من حق للناس؛ من قبيل بثٍّ المواعظ والارشادات التي تتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن ارتكاب المعاصي، وضرورة انتهاج الطريق المستقيم، حتى أدى اليهم ما أدته الأوصياء إلى من بعدهم. فعلى هؤلاء الناس السمع والاهتداء بما يسمعونه من مواعظ وإرشادات. وإلاّ فالتأديب شأنهم. فاستعمل الإمام لفظة (أدَّبْتُكم)؛ لأن الغاية من العقاب ليس الانتقام، وإنما التأديب والهداية إلى الطريق المستقيم، فضلاً عن أنه (عليه السلام) استعمل مفردة (سَوْطي) في إشارة إلى عقابه لهم، واقامته حدود الله تبارك وتعالى. وربما احتمل المعنى أن تكون المفردة دالة على ما قدمه لهم من آداب ومواعظ وزجرٍ([7]). غير أنّ ذلك لم يدفعهم إلى الاستقامة والعدول إلى الحق. ثم أشار (عليه السلام) إلى قياده للناس، وسوقه لهم كما تساق الدواب بالزجر، ولكن ذلك لم يجمعهم أو يؤلف قلوبهم. موظَّفاً لذلك مفردات (حَدَوْتُكم) و (الزَّوَاجِر) للدلالة على قيادته لهم جاعلاً منهم كالإبل التي يحدوها حاديها في رعيها وانتقالها من مكان إلى آخر، وأشار بلفظ (الزَّواجر) إلى نهيه لهم، وزجره عما لا يجوز لهم فعله. ولكن هؤلاء القوم لم يجتمع لهم أمر أو شأن فعبر عن هذا المعنى بلفظة (لم تَسْتَوْ سِقُوا)؛ للدلالة على عدم تآلفهم، واجتماعهم على أمرهم الذي يدعوهم الإمام اليه في سرائهم وضرائهم، وفي الاتفاق على رأي واحد؛ كأنهم في ذلك كالإبل التي يحدوها زاجرها ولكنها تظل متفرقة تذهب يميناً وشمالاً([8]).)([9]).
الهوامش:
([1]) ينظر: لسان العرب (وسق): 10/380.
([2]) ينظر: العين (وسق): 5/191، ولسان العرب (وسق): 10/380.
([3]) نفسه.
([4]) ينظر: تهذيب اللغة (وسق): 9/185.
([5]) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 483.
([6]) نهج البلاغة: خ/182: 332.
([7]) ينظر: الديباج الوضي: 4/1545.
([8]) نفسه: 4/1546.
([9])لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 128-130.