من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة سير الإبل وحداؤها ودعقها وتمعكها 4-  حَدَائِهما قال عليه السلام: ((وَأَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة سير الإبل وحداؤها ودعقها وتمعكها 4- حَدَائِهما قال عليه السلام: ((وَأَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ))

451 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 20-05-2025

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
الحَدْو هو سَوْقُ الإبل ([1])، وحدا الإبل يحدوها أي زجرها وساقها من خلفها([2]). وأصل الحَدو لاتباع، واحتداه، إذا تبعه([3]). ومنه قيل الأيدي (الحَوَادِي)؛ لأنها تتلو الأرجل وتتبعها([4]). وجاءت لفظة (حَدَائِهما) مرة واحدة في نهج البلاغة([5])، للدلالة على سوق الإبل وزجرها؛ فقد وظف الإمام هذه المفردة في سياق كلامه عن موقف (طَلْحَة و الزُّبَيْر) من الخليفة (عثمان بن عفان). يقول فيه الإمام (عليه السلام): ((أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ:إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ، فَكُنْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَه، وَأُقِلُّ عِتَابَهُ، وَكَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجيِفُ، وَأَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ...))([6]). وأراد (عليه السلام) بأن أهوان ما كان يقوم به (طلحة والزبير) من سقيٍ للنيل من (عثمان بن عفان) هو سرعة سيرهما في الاطاحة به، وأن أرفق ما كانا يقومان به هو تأليب الناس عليه وتحريضهم عليه، زجراً وسوقاً كما تزجر الإبل وتساق ممن يحدوها.
أقول: وليس المراد بقول أمير المؤمنين ((أًرْفَقُ حدائهما العَنِيْفُ)) أن المراد رفقهما المختص بحث أنفسهم عليه فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى تأليب الناس عليه؛ لأن (الحَدَاء) يعني سوق الحادي للإبـل زجـراً
حتى تتبع بعضها بعضاً([7]). ولا يكون ذلك إلاّ من خلف الإبل([8]). فكأن ما يقوم به (طلحة والزبير) مشابه لما يقوم به الحادي عند سوقه الإبل، ولهذا استعار الإمام مفردة (حدائهما)؛ للدلالة على هذا الحث والاكراه على التقدم، أما ما يذكر على الحداء هو غناء الراعي للابل([9]). فلا بد صرفه إلى ما كان يقوم به (طلحة والزبير) من إغراءٍ للناس بخلع الخليفة (عثمان) والإطاحة به كأن هذا الإغراء بمنزلة (الحداء) الذي يترنم به الحادي حينما يسوق إبله. فإنّ الإبل إذا سمعت (الحداء)، أسرعت وجدت في المشي، واشتدت حتى أزعجت راكبها وأتعبته([10]). وليس ببعيد أن يكون موقف (طلحة والزبير) من هذا القبيل.فاتخذ الإمام (عليه السلام) هذا النوع من التعبير، سبيلاً لبيان شدتها على الناس، وتشددهما في إسقاط الخليفة (عثمان) أقول:وكأن وصف الإمام (عليه السلام) لهما بعنف (سوقهما وزجرهما) يوحي بتزعمهما لهذا الأمر، وكونهما رأسه؛ فأن الذي يقوم (بحَدْوِ) الإبل وسوقها، يكون هو الراعي والموجه لها. وكلما زاد تشدده عليها زاد انصياعها لأمره. وكذلك حال هذين الرجلين اللذين كان أرفق حدائهما العنف وعدم اللين في التحريض على الخليفة عثمان بن عفان، وتأليب الناس عليه([11]))([12]).

الهوامش:
([1]) ينظر: لسان العرب (حدا): 14/168، والقاموس المحيط (حدا): 1/1643.
([2]) ينظر: المحكم (حدو): 3/487.
([3]) ينظر: المحكم (حدو): 3/487، وتاج العروس (حدو): 37/408.
([4]) أنفسهما. 
([5]) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 104.
([6]) ينظر: لسان العرب (حدا): 14 / 168.
([7]) ينظر: لسان العرب (حدا): 14 / 168.
([8]) ينظر: لسان العرب (حدا): 14 / 168، وتاج العروس (حدا): 37/408.
([9]) نفسه.
([10]) ينظر: لسان العرب (قرر): 5/87.
([11]) نفسه: (عنق): 9/257.
([12])لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 130-131.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2704 Seconds