من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة الرّحل والظّعن وأدواتها الدلالة على الهَوَادج التي تحملها الإبل: قال عليه السلام: ((وَهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ، وَأَحْلاَسُ الْعُقُوقِ))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة الرّحل والظّعن وأدواتها الدلالة على الهَوَادج التي تحملها الإبل: قال عليه السلام: ((وَهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ، وَأَحْلاَسُ الْعُقُوقِ))

14 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-12-2025

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:

أَحْلاس

الحِلْس ما ولي البعير تحت الرحلِ([1]). وهو ضرب من الأكسية الرقيقة التي توضع على ظهر البعير تحت البرذعة([2]). وقد استعملت الفاظ (أَحْلَسُوْنَا) و (يُحْلِسُهُم) و(أَحْلاَس) مرة واحدة لكل منها في نهج البلاغة([3]). دلت جميعاً على الملازمة وإلباس الشيء للشيء. وقد غلب على هذه المفردات المتقدمة استعمالها في سياقات بيان الإخافة وملازمة الأدعياء من الناس القيم الخلقية السيئة، ومن ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في سياق ذم الأَدعياء الذين الإمام عن طاعتهم. يقول (عليه السلام): ((خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ، وَأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ، وَهُمْ أَسَاسُ  الْفُسُوقِ([4])، وَأَحْلاَسُ الْعُقُوقِ([5])...))([6]). والنص نهى عن طاعة الأدعياء، وهم الذين المتهمون في أَنسابهم، والمنسوبون لغير آبائهم([7])، وهؤلاء في نظره (عليه السلام) مسلوبو الطاعة؛ لأنهم مرضى النفوس والأخلاق، وأصحاب باطل. ومن ثَمّ هم أساس الخروج والعصيان وعدم الطاعة لله تبارك وتعالى، فضلاً عن أنهم ملازمو العقوق وعدم البر بالمؤمنين والناس جميعاً. فهم كما (الحِلْس) الذي يلازم ظهر البعير لكي توضع عليه البرذعة التي يوضع فوقها الرحل. والأصل في الجذر اللغوي (حَلَسَ) هو ملازمة الشيءِ للشيءِ كما يذكر ابن فارس([8]). ومن ثم استعمل -فيما أحسب- الدلالة على هذا النوع من الأكسية التي توضع على الدواب والرواحل وقاية لها من أثر القتب أو السرج. وبهذا يكون (أحلاس العقوق) كمن يغطون عقولهم ويمنعونها من أن تسلك في الطريق القويم، ومجانبة الخصال الذميمة التي باتوا حلساً لها. فجعلهم الإمام ملازمين للعقوق الذي تمكن منهم حتى صار بمنزلة حلس البعير الذي يلازمهم ظهره. لما فيهم من الرغبة في ملازمة العوق وسوء الخلق الذي يرتقي ظهورهم ليحجب عنهم الاخلاق الحميدة من البر والتقوى وغير ذلك كما يلازم (الحِلْسُ) ظهر البعير([9]). وقد استعمل الإمام لفظتا (أَحْلَسُونا، ويُحْلِسُهم) للدلالة على معنى الملازمة والتّلَبّس بالأمر في (خ/93، ك/9).

في حين أشار بعض من المحدثين أن لغتنا المعاصرة تستعمل مفردة (حِلْس) للدلالة على الملازمة أيضاً، فيقولون: (هو حِلْسُ الدَّارِ) أي ملازم لها. وفي هذا نقل من التوظيف البدوي القديم للألفاظ إلى جانب آخر متصل بالحضارة([10]) كما يبدو)([11]).

الهوامش:
([1]) ينظر: العين (حلس): 3/142، ومقاييس اللغة (حلس): 2/97.
([2]) ينظر: لسان العرب (حلس): 6/54، والقاموس المحيط (حلس): 1/694، وتاج العروس (حلس): 15/546.
([3]) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 121.
([4]) الفِسْقُ العِصْيَانُ والتَّرْكُ لأمر الله عز وجل والخروج عن طريق لحق. ينظر: لسان العرب (فسق): 10/308.
([5]) أصل العقوق مأخوذٌ من العَقِّ، وهو الشَّقُّ والقَطْعُ، وهو ضدُّ البِرِّ. ينظر: لسان العرب (عقق): 10/257.
([6]) نهج البلاغة: خ/192: 365.
([7]) ينظر: العين (دعي):2/221.
([8]) ينظر: مقاييس اللغة (حلس): 2/97.
([9]) ينظر: شرح نهج البلاغة (البحراني): 4/156.
([10]) ينظر: مع نهج البلاغة:135.
([11])لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 153-155.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.0964 Seconds