الباحث: عمار حسن الخزاعي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين أهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وبعد:
تمثل حادثة الغدير من أهم الحوادث الإسلامية التي كان لها صدىً كبير في نفوس المسلمين وقد انبرى لها الشعراء ونظموا فيها قصائدهم ومنهم الشاعر الكميت شاعر أهل البيت (عليهم السلام).
الكُمَيْتُ اسم مشتقٌ مِن الكُمْتَة. يقال للذكر والأُنثى، ولا يستعمل إلاّ مُصَغَرّاً، وهو تصغير (أكْمَتٌ) على غير قياسٍ، والاسم الكُمْتَةُ، وهومن الخيلِ بينَ الأسودِ والأَحمَرِ([1]).
وهو الكُميتُ بن زيد بن خُنيس بن مُجالِد بن وَهيب بن عَمْرو بن سُبع بن مالك بن سعد بن ثَعْلَبَة بن دودان بن أسد بن خُزَيمَة بن مدركة ابن الياس بن مضر بن نِزار([2])، أبو المستهّل.
ولد الكميت بالكوفة سنة 60 للهجرة، وهي السنة التي استشهد فيها الحُسين بن عليّ بن أبي طالبu إلى 126 للهجرة في خلافة مروان بن محمد. فهو شاعرٌ حضريّ لم ينشأ في البادية، وبلغ شعره عند وفاته خمسة آلاف ومائتين وتسعة وثمانين بيتاً([3]). وقد اشتهر الكُميت في العصر الأموي، وكان ذا علمٍ بآداب العربِ ولغاتها وأخبارها وأنسابها وثقةً في علمهِ، وكان محباً لبني هاشم، كثيرُ المدحِ لهم، ويعدُّه البعض متعصباً للحضرية على القحطانيةِ([4]).
ومعروف عن الكميت أنّه كان شديد الحب والولاء لآلِ البيتِ، ونراهُ في تصويره لهذا الحب ثائراً ثورةً عنيفةً على بني أُمية وواليهم خالد بن عبد الله القسري.
وكانت موضوعات شعره تدور على مدح الإمام عليٍّ – عليه السلام- والائمة من ولده من آل بيتِ النبيr وكانت تبرز صفات الإمام عليّ المُثلى وبلاءه في الإسلام، وتذكر يوم غدير خُمّ([5])، وحديث المباهلة، والمهدي المنتظر، ووقعة كربلاء واستشهاد الحسينu وآل البيت، وهجاء القحطانية([6]).
وقد قُتِلَ الكميت على يد جُند يوسف بن عمر الثقفي تعصباً لِخالد بن عبد الله القسْري([7])
القيمة النقدية لشعر الكميت:
في بيان منزلة الكميت الشعرية نذكر رأي الفرزدق فيه، وهو من أعلام الشعر العربي وفحوله، وقد عرض الكميت عليه شعره في قصَّة فحواها ((لما قال الكميت بن زيد الشعر كان أول ما قال (الهاشميات) فسترها، ثم أتى الفرزدق بن غالب فقال له: يا أبا فراس؟ إنك شيخ مضر وشاعرها وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي. قال له: صدقت أنت ابن أخي، فما حاجتك؟ قال: نفث على لساني فقلت شعرا فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسنا أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحا أمرتني بستره وكنت أولى من ستره علي. فقال له الفرزدق: أما عقلك فحسن وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك، فأنشدني ما قلت فأنشده:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب.
قال فقال لي: فيم تطرب يا ابن أخي ؟! فقال:
ولا لعبا مني. وذو الشيب يلعب ؟ !
فقال: بلى يا بن أخي ؟ فالعب فإنك في أوان اللعب. فقال:
ولم يلهني دار ولا رسم منزل * ولم يتطربني بنان مخضب
فقال: ما يطربك يا بن أخي ؟ ! فقال :
ولا السانحات البارحات عشية * أمر سليم القرن أم مر أغضب
فقال: أجل لا تتطير. فقال :
ولكن إلى أهل الفضايل والتقى * وخير بني حواء والخير يطلب
فقال: ومن هؤلاء ؟! ويحك . قال :
إلى النفر البيض الذين بحبهم * إلى الله فيما نابني أتقرب
قال: أرحني ويحك من هؤلاء ؟ ! قال:
بني هاشم رهط النبي فإنني * بهم ولهم أرضي مرارا وأغضب
خفضت لهم مني جناحي مودة * إلى كنف عطفاه أهل ومرحب
وكنت لهم من هؤلاء وهؤلاء * محبا على أني أذم واغضب
وأرمي وأرمي بالعدواة أهلها * وإني لأوذي فيهم واؤنب
فقال له الفرزدق: يا بن أخي؟ أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي))([8]).
غديرية الكميت:
نَفَى عَن عَينِكَ الأَرَقُ الهُجُوعَا وَهَمٌّ يَمتَرِي مِنها الدُّمُوعَا
دَخِيلٌ في الفَؤَادِ يَهِيجُ سُقماً وَحُزناً كانَ من جَذَلٍ مَنُوعَاً
وَتَوكَافُ الدُّمُوعِ على اكتِئَابٍ أَحَلَّ الدَّهرُ مَوُجِعَهُ الضُّلُوعَا
يُرَقرِقُ أسجُمَاً دِرَرَاً وَسكبَاً يُشَبَّهُ سَحُّها غَربَاً هَمُوعَا
لِفُقدَانِ الخَضَاوِمِ مِن قُرَيشٍ وَخَيرِ الشَّافِعِينَ مَعَاً شَفِيعَا
لَدَى الرَحمَنِ يَصدَعُ بالمَثَانِي وكَانَ له أَبُو حَسَنٍ مُطِيعَاً
حَطُوطَاً في مَسَرَّتِهِ وَمَولَىً الى مَرضَاةِ خَالِقِهِ سَرِيعَا
وأصفَاهُ النَّبِيُّ على اختِيَارٍ بِمَا أعيَى الرُّفُوضَ له المُذِيعَا
وَيَومَ الدَّوحِ دَوحِ غَدِيرِ خُمٍّ أبَانَ لهُ الوِلاَيَةَ لو أُطِيعَا
ولكِنَّ الرِّجالَ تَبَايَعُوهَا فَلَم أرَ مِثلَهَا خَطَرَاً مَبِيعَا
فَلَم أبلُغ بِهِم لَعنَاً وَلَكِن أسَاءَ بِذَاكَ أوَّلهُم صَنِيعَا
فَصَارَ بِذَاكَ أَقرَبُهُم لِعَدلٍ إلى جَورٍ وأحفَظُهُم مُضِيعَا
أضَاعُوا أمرَ قَائِدِهم فَضَلُّوا وأقوَمِهِم لَدَى الحَدَثَانِ رِيعَا
فَقُل لِبَنِي أُمَيَّةَ حَيثُ حَلُّوا وإن خِفتَ المُهَنَّدَ والقطِيعَا
ألاَ اُفٍ لِدَهرٍ كُنتُ فِيهِ هِدَانَاً طَائِعاً لَكُمُ مُطِيعَا
أجَاعَ اللهُ مَن أشبَعتُمُوهُ وأشبَعَ مَن بِجَورِكُمُ أُجِيعَا
وَيَلعَنُ فَذَّ أُمَّتِهِ جِهَارَاً إِذَا سَاسَ البَرِيَّةَ والخَلِيعَا
بِمَرضِيِّ السِّيَاسَةِ هَاشِمِيٍّ يَكُونُ حَيَاً لأُمَّتِهِ رَبِيعَا
وَليثاً فِي المَشَاهِدِ غَيرَ نِكسٍ لِتَقوِيمِ البَرِيَّةِ مُستَطِيعَا
ويكفي في بيان دلالة واقعة الغدير التي ذكرها الكميت في قصيدته على الإمامة والخلافة ما قاله الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه)، وخصوصاً في البيت القائل:
ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان له الولاية لو أطيعا
قال الشيخ المفيد: ((وهذا الكميت بن زيد الأسدي رحمة الله عليه... قد أجمع أهل العلم بالعربية على فضله، وثقته في روايته لها،... واستشهدوا بشعره على صحة بعض ما اختلف منها. فلولا أن لفظة \ مولى \ تفيد الإمامة ، لما جاز من الكميت - وهو من أهل المعرفة باللغة بحيث ما وصفناه - أن يحكم لأمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة بها، ولا أن يحتج بذلك في شعره الذي هو الطريق إلى العلم بمقداره في المعرفة باللسان، ويجعله في نظمه الذي تسير به عنه الركبان))([9]) .
الهوامش:
([1]) خزانة الأدب : عبد القادر عمر البغدادي 1/147، أساس البلاغة : الزمخشري 398.
([2]) الأغاني : للأصفهاني 15/113، والإعلام قاموس تراجم : خير الدين الزركلي 6/92، ينظر معجم الشعراء للمرزباني 237-238، التطور والتجديد في الشعر الأموي : د. شوقي ضيف268 ، شخصيات كتاب الأغاني : د. داود سلّوم و د. نوري حمودي القيسي 184، والكميت حياته وشعره : د. محمد حاج حسين 53.
([3]) الأغاني : للأصفهاني 15/130، ينظر أعيان الشيعة / الجزء الأول/ القسم الثاني /7.
([4]) الفهرست :لابن النديم- 72-78-179، الأعلام قاموس تراجم : خير الدين الزركلي 2/92، تاريخ الشعر العربي في صدر الإسلام وعصر بني أُميّة :د. محمد عبد العزيز الكفراوي 1/121 ، تاريخ الأدب العربي: عمر فروخ 1/698.
([5]) هو ماء وقف فيه النبي r وخطب خطبته المشهورة في حجة الوداع التي قال فيها: (مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه …).
([6]) التيار الإسلامي في شعر العصر العباسي الأول :د. مجاهد مصطفى بهجت 337،338.
([7]) الأغاني 15/121.
([8])الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني (المتوفى : 356 ه)، دار إحياء التراث العربي: 17/22 – 23
([9])أقسام المولى، الشيخ المفيد (المتوفى: 413 ه)، تحقيق : الشيخ مهدي نجف، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان، الطبعة : الثانية، 1414 - 1993 م: 41 – 42 .