البَاحِث: محمّد حمزة الخفاجي
الحمد لله الأول فلا شيء قبله، والآخر فلا شيء بعده، والظاهر فلا شيء فوقه، والباطن فلا شيء دونه والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله...
وبعد ...
أصل الإيمان ما استقر بالقلب، يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾[1]، والسبب في عدم إيمان تلك القلوب لانشغالها عن ذكر الله واللهو في الحياة الدنيا، ومن قسى قلبه ونسي ربه خسر الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[2].
والذي عنده علم الكتاب جعل لنا طرقاً في عمارة القلب، ألا وهو الاشتغال بذكر لله (عز وجل)، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله)[3].
ومن ذكر الله (جل وعلا) نور قلبه وعقله، وجعل له طريق سداد، وأصلح باله، وهذه من أعظم منن الله على الإنسان، لأن عمارة القلب تجلب الراحة وتنفي الهم وتأتي بكل خير.
فعنه ( عليه السلام ) قال: (مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح)[4].
فكما أن الملائكة تتغذى على التسبيح والتهليل، كذلك الروح غذائها ذكر الله، وهو مفتاح الهداية، ففي الحديث القدسي قال الله (عز وجل): (أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري توليت سياسته، وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه)[5].
فالله (عز وجل) يتولى عباده الصالحين، الذين لم تشغلهم ﴿تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾[6].
ومن وصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام) قال فيها: (أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ ... وعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ)[7].
ومصداق كلامه (عليه السلام)، قول الله (عز وجل): ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[8].
ومن أراد أن يصلح سريرته وعلانيته فعليه أن لا ينسى ذكر الله في أي حال من الأحوال، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من عمر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السر والجهر)[9].
وسبحانه وتعالى إذا أحب عبدا نور قلبه وبصره، وجعل ذكره على لسانه كي لا ينشغل عنه.
ويتحصل لنا أن ثمرة الذكر استنارة القلب، ففي الذكر إحياء القلوب وفي نسيانه موتها، قال أمير المؤمنين: (بذكر الله تحيا القلوب، وبنسيانه موتها)[10].
كذلك للذكر أثر كبير في حفظ الإنسان من الابتلاءات الدنيوية، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (يموت المؤمن بكل ميتة، يموت غرقا، ويموت بالهدم، ويبتلي بالسبع، ويموت بالصاعقة، ولا يصيب ذاكر الله)[11].
وفي الختام نسأل الله حسن العاقبة والتوفيق لكل خير...
الهوامش:
[1] - سورة المائدة: 41.
[2] - سورة المنافقون: 9.
[3] - عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي: 120.
[4] - المصدر نفسه : 487.
[5] - بحار الأنوار: 90 / 162.
[6] - سورة النور: 37.
[7] - نهج البلاغة، الوصية: 31، ومن وصية له (عليه السلام) للحسن بن علي (عليه السلام ) - كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين.
[8] - سورة الرعد: 28.
[9] - عيون الحكم والمواعظ: 458.
[10] - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري: 2 / 439.
[11] - بحار الأنوار: 90 / 162.