بقلم: الشيخ محسن المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
فإن مما ورد في نهج البلاغة في بيان الأطوار التي يمر بها الإنسان هي: هوانه وضعفه، قال عليه الصلاة والسلام:
«مَا لاِبْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ: أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ، وَآخِرُهُ جِيفَةٌ، وَلاَ يَرْزُقُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَدفَعُ حَتْفَهُ»[1].
«مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ: مَكْتُومُ الْأَجَلِ، مَكْنُونُ الْعِلَلِ، مَحْفُوظُ الْعَمَلِ، تَؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ، وَتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ وَتُنْتِنُهُ الْعَرْقَةُ»[2].
جوارح ووظائف:
«جَعَلَ لَكُمْ أسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا، وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا، وَأَشْلاَءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا، مُلاَئِمَةً لِأَحْنَائِهَا في تَرْكِيبِ صُوَرِهَا، وَمُدَدِ عُمُرِهَا، بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا، وَقُلُوبٍ رائِدَةٍ لاَِرْزَاقِهَا»[3].
النعمة والهداية:
«سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَمَعْبُوداً! بِحُسْنِ بَلاَئِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ، خَلَقْتَ دَاراً، وَجَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً: مَشْرَباً وَمَطْعَماً، وَأَزْوَاجاً وَخَدَماً، وَقُصُوراً، وَأَنْهَاراً، وَزُرُوعاً، وَثِمَاراً. ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا»[4].
تمرد الإنسان وشقوته:
وبعد أن صوّر الإمام عليه السلام الفصل ببديع خلق الإنسان وتدرجه وبيان حكمة ماوهب من جوارح عقب ذلك بقوله:
أ) «حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ، وَاسْتَوَى مِثالُهُ[5]، نَفَرَ مُسْتَكْبِراً، وَخَبَطَ سَادِراً[6]، مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ[7]، كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ، فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ، وَبَدَوَاتِ[8] أَرَبِهِ؛ لْايَحْتَسِبُ رَزِيَّةً، وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً؛ فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً، وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً، لَمْ يُفِدْ عِوَضاً، وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً»[9].
ب) وفي خطبة أخرى صدّر فصلا منها بحسن بلاء الله وجميل صنعه بخلقه وكريم دعوته لمأدبته في جنته فإذا بمن اكرموا وعلى لسان المبلغ عن الله دعوا.
«فَلاَ الدَّاعِيَ أَجَابُوا، وَلاَ فِيَما رَغَّبْتَ رَغِبُوا، وَلاَ إلى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا. أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَةٍ قَدْ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا، وَاصْطَلَحُوا عَلَى حُبِّهَا، وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْن غَيْرِ صَحِيحَةٍ، وَيَسْمَعُ بَأُذُن غَيْرِ سَمِيعَةٍ، قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ، وَأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ، وَوَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ، فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا، وَلِمَنْ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا»[10])[11].
الهوامش:
[1] م 454 /555.
[2] م 419 /550.
[3] خ 83 /110.
[4] خ 109 /159.
[5] اسْتَوَى مِثالُهُ: بلغت قامته حدّ ما قدّر لها من النماء.
[6] خبط البعير: إذا ضرب بيديه الأرض لا يتوقّى شيئًا، والسادر: المتحيّر والذي لا يهتمّ ولا يبالي ما صنع.
[7] الماتح: الذي ينزل البئر إذا قلّ ماؤها فيملأ الدلو، والغَرْبُ: الدلو العظيمة.
[8] بَدَوات: جمع بدأة وهي ما بدا من الرأي.
[9] خ 83/112-113.
[10] خ 109/159-160.
[11] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 115-117.