من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة 1- ألفاظ وسائط النقل (الإبل وما تعلق بها): ((الأَجْرَب)) قال عليه السلام: فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الاْجْرَبِ

سلسلة قصار الحكم

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة 1- ألفاظ وسائط النقل (الإبل وما تعلق بها): ((الأَجْرَب)) قال عليه السلام: فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الاْجْرَبِ

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-04-2023

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وازل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
الجَرَب معروف، وهو بَثَر يَنْبُت على جِلْد الإنسانِ والإبل[1]. وقد ذُكِر أنّ الجرب يحصل من خِلْط غليظ يحدث تحت الجلد من مخالَطَة البَلْغَمِ المِلْحِ للدَّم، ويكون معه بُثًور[2]. وجاءت لفظة (الأَجْرَب) مرة واحدة في نهج البلاغة[3]، بإزاء لفظة (الصَّحِيْح) للدلالة على مَنْ أصابه مَرَض الجَرَب، فَيُنفَر منه، وذلك في سياق الوعظ والإرشاد إذ يقول (عليه السلام): ((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللهَ وُفِّقَ... فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ[4] الصَّحِيحِ[5] مِنَ الاْجْرَبِ، وَالْبَارِي[6] مِنْ ذِي السَّقَمِ[7]))[8].ولما كان أكثر النّاس يَنْفِرون من الحقِّ فإنّ الله تبارك وتعالى يقول: {...أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[9]؛ لهذا فإنهم لا يَرتضون الأخذ بالحق والعمل به، لَمِا له من أَثَرٍ على مصالحهم عادة، فَأرشد الإمام (عليه السلام) النَّاسَ ألاّ يُجاِنبوه، أو يَحِيدوا عنه. كما يَنْفُر الصَّحِيْح البَرِيء من المَرَضِ من الأَجْرَب الذي أَصابه وَبَاء الجَرَب، لما في الحقِّ من مَرْضاة لله وعَدْل للناس. وقد شبّه (عليه السلام) النِّفَار من الحَقِّ بالنِّفَار من المعلول بالجَرَبِ؛ لِمَا لهذا المرض من أثرٍ على الصَّحِيْح مِنَ النَّاس أو الدَّواب. فهذا الدَّاء من الأَمراضِ المُعدِية[10]، فإذا أصابَ الإبل وفُصلاَنها، فلا تكاد تَنْجو منه، وبخاصَّة إذا صَاحبته القُرُوح[11]، وقد يُرافِقُه هُزَال كثير في الدّواب[12]، فَيُنْهِك الدَّابَّة ويُهْلِسُها. ولهذا قِيْل في الأمثال:  ((أَعْدَى من الجَرَبِ))[13]. وعدوى الجرب انتقال الداء من المريض إلى السَّليم الصحيح البَدَنِ. ولهذا يُبْتَعَد كثيراً عَمَّنْ به جَرَب، مَخَافَةَ العَدْوى. وهذهِ العِلّة تصيب الإنسان والدواب من الإبل معاً. وبهذا؛ يحتمل النص أنْ يكون المراد بـ(الصحيح) و(الأَجْرَب) هما الإنسان؛ لأنِّ المخاطَب في السِّياق هو (الإنسان). ولا يَبْعُد أنْ يكون المُراد بذلك (الأَجْرَب) من الدّواب، و (الصحيح) منها؛ على سبيل تمثيل الأمر بما يَفْعله العرب من إبْعَاد للجمل الأجرب عن بَقِيّة الإبل وإفراده عنها، مخافة أنْ يُعْدِيها. فكأنّ هذا الإبعاد نِفَار للصحيحة من الإبل من الجَرَبِ. ويريد (عليه السلام) القول إنّ (الحَقَّ) عند بعض النَّاس كالجَرَب المُعْدِي، يبتعدون منه؛ مخافَةَ أنْ يُصيبهم شيء منه، لما في الحَقِّ من جَوْرٍ على النّاسِ في مصالحهم وأموالهم. فيعدّونه مرضاً، في حين أنّه داعية للشفاء من السَّقم. متخذاً أسلوب التشبيه، لتجسيد موقف أصحابه من الحق وابتعادهم عنه وعن أهله.)[14].

الهوامش:
[1] ينظر: جمهرة اللغة (جرب): 1/266، ومقاييس اللغة (جرب): 1/449، والمحكم (جرب): 7/400، ولسان العرب (جرب): 1/259.
[2] ينظر: المصباح المنير: 1/95، وتاج العروس (جرب): 2/145.
[3] ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 81.
[4] نَفَر من الشيء، إذا جَافَاه، والنِّفار هو الهرب والمجانبة. ينظر: لسان العرب (نفر): 5/227.
[5] الصِّحّة والصحاح خلاف السَّقم، وذهاب المرض، والصحيح الذي لا وباءَ فيه. ينظر: لسان العرب (صحح): 2/508
[6] الباري الصحيح المعافى. ينظر: لسان العرب (برأ): 1/31.
[7] السّقم المَرَضُ. ينظر: لسان العرب (سقم): 12/288.
[8] نهج البلاغة: خ / 148: 257،258.
[9] المؤمنون / 70.
[10] ينظر: أساس البلاغة (جرب): 1/87، وتاج العروس (جرب): 2/145.
[11] ينظر: المحكم (جرب): 2/577.
[12] ينظر: المصباح المنير: 1/95، وتاج العروس (جرب): 2/145.
[13] ينظر: مجمع الأمثال: 2/45، وجمهرة الأمثال: 2/32، وأساس البلاغة (جرب): 1/87.
[14] لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 31-33.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.5153 Seconds