بقلم: الشيخ محسن المعلم
((الحمد لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على هداة الخلق إلى الحق، محمد وآله الطاهرين))
وبعد:
1- التقوى عند الإمام:
ولقد أفاض في حديث التقوى فيما أفصح به لسانه أو خطه بنانه تعريفاً وتوصيفاً ودوراً وأثراً. وفيما يلي نماذج من تلكم المواطن:
1) التقوى الحقيقية:
أ) «فَاتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ، وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ، وَوَجِلَ فَعَمِلَ، وَحَاذَرَ فَبَادَرَ، وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ، وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ، وَحُذِّرَ فَحَذِرَ، وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ، وَأَجَابَ فأَنَابَ، وَرَاجَعَ فَتَابَ، وَاقْتَدَى فَاحْتَذَى، وَأُرِيَ فَرَأَى، فَأَسْرَعَ طَالِباً، وَنَجَا هَارِباً، فَأَفَادَ ذَخِيرَةً، وَأَطَابَ سَرِيرَةً، وَعَمَّرَ مَعَاداً، وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ، وَحَالِ حَاجَتِهِ، وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ، وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ، وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ، وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ»[1].
ب) «أُوصِيكُمْ، عِبَادَ اللهِ، بَتَقْوَى اللهِ الَّتي هِيَ الزَّادُ وَبِهَا المَعَاذُ: زَادٌ مُبْلِغٌ وَمَعَاذٌ مُنْجِحٌ، دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاع، وَوَعَاهَا خَيْرُ وَاع، فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا، وَفَازَ وَاعِيهَا.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ تَقْوَى اللهِ حَمَتْ أوْلِيَاءَ اللهِ مَحَارِمَهُ، وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ، حَتَّى أَسهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ، وَأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ؛ فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ، وَالرِّيَّ بِالظَّمَإِ، وَاسْتَقْرَبُوا الاْجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ، وَكَذَّبُوا الاْمَلَ فَلاَحَظُوا الاْجَلَ»[2].
وفي هذين النصين الجليلين مبنى ومعنى تركيز على حقائق ثلاث:
الأولى: التفاعل الصادق:
فالإنسان ملؤه جوارح ومشاعر وأهواء وعواطف تختلف فتتخالف، فتتنازع فتتصارع، تضطرب فلا تستقر على حال.
وهي مع شدّة صخبها ليست مجبورة ولا مضطرة فيما تمارس وتهوى، فالقادر على الفعل مختار في الترك، والهابط في دركات الخطيئة يقوى على إرتقاء درجات الطاعة.
إذن فهو في مختبر دقيق يتجلى فيه الجوهر، وتتمايز فيه القوى.
الثانية: خير داع ومجيب.
وذلكم شأن الكمالات العالية، يبثها المربي الرؤوف، ويدأب على تعميقها الراعي الرحيم خير حكمة ممن (له دعوة الحق) ليحيا العباد على هدي قويم وأدب رفيع فيسمعها الفرد والأمة في الندي والمجمع والجامع فكأنها لم تقل ولم تسمع فلم تمر حتى تقر، وتتمكن من أسماع، وتقر في قلوب فقد وافت موطنها وألفت مقرها (فالقلوب أوعية وخيرها أوعاها).
الثالثة: عناء وعاقبة نعيم:
فالتقوى حصن حصين وسياج منيع، صان المتزودون بها أنفسهم عن ارتكاب محارم واكتساب مآثم، أهمتهم (التقوى) فأستولت على جوانحهم وجوارحهم، فقلوبهم من ربهم خائفة، وعيونهم ساهرة باكية، وبطونهم صائمة، وأبدانهم بالعبادة قائمة، على هذا عمرهم فنالوا بذلك الراحة بعد النصب، والهناء بعد العناء {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.)([3]).
الهوامش:
[1] خ 83 /109-110.
[2] خ 114 /169-170.
([3]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأخلاق من نهج البلاغة: الشيخ محسن علي المعلم، العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، ط1، ص 148-150.