قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ((دولة الاشرار محن الاخيار))[1]
إن الأمة التي لا تنهى عن منكر ولا تأمر بمعروف يوشك الله أن يأخذها بعذاب من عنده يظهر الأشرار ويتولى السفلة ويعلو الضلال على الإيمان وتحل اللعنة والسخط والعذاب الأليم ، قال النبي (صلى الله عليه واله) : (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم ليدعون خياركم فلا يستجاب لكم. والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم فلتأطرنه عليه أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض)[2].
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنّه قال : (إنّ الله عزّ وجلّ جعل الدين دولتين دولة آدم وهي دولة الله ودولة إبليس فإذا أراد الله أن يعبد علانية كانت دولة آدم وإذا أراد الله أن يعبد في السر كانت دولة إبليس والمذيع لما أراد الله ستره مارق من الدين)[3].
فالإنسان المؤمن في مثل هذه الدول يكون مضطهد فليس له في هذه الدولة التي هو بها سوى طلب قوت يومه .(عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ليس (لمصاص)[4] شيعتنا في دولة الباطل إلاّ القوت شرّقوا إن شئتم أو غرّبوا لن ترزقوا إلاّ القوت)[5].
وإن من أشد الابتلاءات على المؤمنين في الدول الضالة هو اجبارهم على أتباع الباطل, لأن هذه الدول مخالفة لشرائعهم, فكانوا يعذبوهم بشتى أنواع العذاب في سبيل إرغامهم على الخضوع لهم ولدينهم , فلهذا كان هذا السبب من خوف الانبياء (عليهم السلام) على الناس . (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ( لم يوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهال و دول الضلال)[6]
حيث أن فرعون وحكومته كانت من أشد وأطغى الدول بسبب السياسة الهمجية الضالة التي كانت قائمة في عصر النبي موسى (عليه السلام), فكان الاخيار من الناس المضطهدين في ذلك الزمان يلاقون أبشع أنواع الظلم والاستبداد ,حيث كانت غاية النبي موسى ( عليه السلام ) هي الصبر على هذه المحن والابتلاءات والتمسك بحبل الله وتقوية الايمان في نفوس الاخيار لكي يصبروا على هذه المحن حتى ينصرهم الله ويشتد غضبه على فرعون وقومه.
فالإنسان الوضيع العديم الاخلاق فأن مكانته تكون عالية في دول الضلال .(عن جعفر بن محمد، عن آبائه ـ في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) ـ قال: يا علي والله لو أن الوضيع في قعر بئر لبعث الله عزّ وجلّ إليه ريحا ترفعه فوق الاخيار في دولة الاشرار)[7].
والمؤمن الذي يكون في زمن دولة باطلة ويكون هو مُنعماً بها, فأدنى ما يصبه من الابتلاءات هو العقوق من الاولاد والجفاء من الإخوان أو يبتليه الله بمرض في بدنه حتى يزكيه الله ويطهره من جميع المحرمات .
( فعن أبي الصباح الكناني قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) فدخل عليه شيخ فقال : يا أبا عبد الله أشكو إليك ولدي وعقوقهم وإخواني وجفاهم عند كبر سني ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : يا هذا إنّ للحق دولة وللباطل دولة وكل واحد منهما في دولة صاحبه ذليل وان أدنى ما يصيب المؤمن في دولة الباطل العقوق من ولده والجفاء من إخوانه وما من مؤمن يصيبه شيئاً من الرفاهية في دولة الباطل إلاّ ابتلي قبل موته إمّا في بدنه وإمّا في ولده وإمّا في ماله حتى يخلصه الله مما اكتسب في دولة الباطل ويوفر له حظه في دولة الحق فاصبر وأبشر)[8]
وعن أبي بكر الحضرمي قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : لسيرة علي ( عليه السلام ) في أهل البصرة كانت خيراً لشيعته مما طلعت عليه الشمس إنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته قلت : فأخبرني عن القائم ( عليه السلام ) يسير بسيرته ؟ قال : لا إنّ عليّاً ( عليه السلام ) سار فيهم بالمنّ للعلم من دولتهم وإن القائم عجل الله فرجه يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لأنّه لا دولة لهم )[9].
والإنسان الذي يعيش في ظلال الدولة الباطلة وهو مؤمن فعليه أن يصبر على ما أبتلي به من شر هذه الدولة, حتى يحكم الله فيهم فأن الله مهلك كل باطل ,قال تعالى :{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}[10] .
وعن الحسن بن شاذان الواسطي قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) أشكوا جفاء أهل واسط وحملهم علي وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني ، فوقع بخطه : إنّ الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل فاصبر لحكم ربك فلو قد قام سيد الخلق لقالوا : {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ }[11])[12].
وإن الانسان المؤمن لا يرضى بالفساد في دولة الاشرار المبنية على أساس الظلم والجور فيلاقي شتى أنواع الظلم, فحينما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يكون أحد المخالفين في دولة الظلم ويتلقى أنواع العذاب, كما كان الانبياء(عليهم السلام )حينما يأمرون الناس بالمعروف وينهونهم عن المنكر فيلاقوا شتى أنواع العذاب من قبل الدولة.
(فعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) انّه قال : دولة الأوغاد مبنيّة على الجور والفساد)[13].
(وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) انّه قال : الدولة ترد خطأ صاحبها صواباً وصواب ضده خطاءً )[14].
ومع كل هذا الضيم الذي تلاقيه الأمة ، والإحباطات التي تعانيه من مكر وخيانة, فالحق الذي لا ريب فيه أن المستقبل للإسلام رغم كل المعوقات والتحديات ، والشدائد المؤلمة ، وغداً يرتبط حاضر هذه الأمة بماضيها وبعدها تحقق الأمة الإسلامية انتصارات كبرى ، وفتوحات عظمى ، وتهزم أكبر الإمبراطوريات المتكبرة الظالمة ، ببركة دولة الامام المهدي (عج) الذي يملأ الارض قسطا وعدلا ببعد ما ملئت ظلماً وجورا جراء الحكام الظلمة, وتكون هي الدولة التي لا يدانيها أحد ، ولا يقف في وجهها بشر ، وترتفع رايتها على كل راية ، وإذا ارتفعت هذه الراية الشريفة وهي راية الامام (عج) ، فحينئذ تنخفض كل راية ، وتذوب كل قوة ، وتتلاشى كل دولة باطلة جائرة ، ويقذف بأعدائهم إلى جحيمهم، ذلكم لأن أهل هذه الراية المعظمة منصورون بنصر الله ، ومؤيدون بجنده ، ومحفوظون برعايته 0
[1]- غرر الحكم ودرر الكلم,ص143.
[2] - تفسير الميزان : العلامة الطباطبائي,ج6,ص46.
[3] - شرح اصول الكافي: المازندراني,ج15,ص18.
[4] - لمصاص: خالص كل شيء
[5] - الكافي :الكليني ,ج2,ص371.
[6] - تفسير نور الثقلين, الشيخ عبد على بن جمعة العروسي الحويزى,ج3 ,ص384.
[7] - وسائل الشيعة : الحر العاملي,ج15,ص274.
[8] - بحار الانوار : المجلسي ,ج52,ص365.
[9] - بحار الانوار :المجلسي ,ج32,ص330
[10] - سورة الاسراء : اية 16.
[11] - سورة يس: اية 52.
[12] - تفسير نور الثقلين ,ج2,ص498.
[13] - ميزان الحكمة : الري شهري ,ج2,ص936.
[14] - المصدر نفسه,ج4,ص27.