بقلم: السيد نبيل الحسني
يعدّ زواج فاطمة (عليها السلام) محطة من المحطات التي كان لجبرائيل (عليه السلام) دورٌ خاصٌّ فيها، فكان ظهوره في هذه المناسبة متكرراً حتى أصبح هو المعني بهذا الأمر، مما يقود الذهن إلى أنَّ أمر زواجها من علي (عليهما السلام) لا يقل أهمية من بعث الأنبياء (عليهم السلام)؛ وذلك لما يترتب عليه من جعل الإمامة في ذريتهما، وليتجلى فيهما الاصطفاء الإلهي على العالمين . قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([1]) . ومن هنا: نجد أنَّ هذا الظهور المتكرر لجبرائيل (عليه السلام) في هذه المناسبة إنَّما هو لكونهما المختارين لخروج نور النبوة وصراط الشريعة، وتحقيق دولة الحق والعدل، وظهور الإسلام على الدين كله في المهدي ابن فاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين). وهذه الحادثة تحمل في طيَّاتها جملةً من الأمور التي تكشف عن عظمتها ورفعة درجتها . وسنعمل على استعراض جملةً منها بحسب ما يسمح به المقام:
ألف: هبوط جبرائيل (عليه السلام) بخبر تزويج فاطمة في السماء ليزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض من علي بن أبي طالب (عليه السلام):
وفي هذا المعنى ورد عن أم سلمة، وسلمان المحمدي، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، كلهم قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انه قال: ((هبط عليّ جبرائيل، فقال: السلام عليك ورحمة الله يا نبي الله، ثم إنَّه وضع في يدي حريرة بيضاء من حرير الجنة، وفيها سطران مكتوبان بالنور، فقلت حبيبي جبرائيل ما هذه الحريرة، وما هذه الخطوط؟ فقال جبرائيل: يا محمد؛ إنَّ الله (عز وجل) أطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه، فبعثك برسالته، ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخًا ووزيرًا، وصاحباً وختنًا فزوجه ابنتك فاطمة، فقلت حبيبي جبرائيل ومن هذا الرجل؟ فقال لي: يا محمد أخوك في الدنيا والآخرة، وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب))([2])
باء: جبرائيل وميكائيل يجريان عقد الزواج فاطمة من علي في السماء والملائكة هم الشهود:
وبالإسناد السابق في الفقرة «ألف»، قال: جبرائيل (عليه السلام): ثم أوحى الله أن أعقد عقدة الزواج، فإنِّي قد زوجت فاطمة بنت حبيبي محمد بعبدي علي بن أبي طالب))، وفي خبر عن أم أيمن: وعقد جبرائيل وميكائيل في السماء الزواج علي وفاطمة. قال جبرائيل: فعقدت عقدة الزواج وأشهدت على ذلك الملائكة أجمعين، وكتبت شهادتهم في هذه الحريرة، وقد أمرني (عز وجل) أن أعرضها عليك، وإن أختمها بخاتم مسك وأن أدفعها إلى رضوان، وأن الله (عز وجل) لما أشهد الملائكة على تزويج علي من فاطمة أمر شجرة طوبى أن تنشر حملها من الحلي والحلل، فنشرت ما فيها فالتقطته الملائكة والحور العين، وأن الحور العين لتهادينه ويفتخرن به إلى يوم القيامة))([3]) .
جيم: جبرائيل (عليه السلام) يشتري الدرع الحطمية من علي (عليه السلام) ثم يهديها إليه ليكون مهر فاطمة (عليها السلام):
بعد أن يقوم جبرائيل (عليه السلام) في إخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمجريات عقد فاطمة في السماء، ويأمره عن الله (عز وجل) بإجراء العقد في الدنيا، فإن الظهور الثالث الذي تنقله الروايات لجبرائيل (عليه السلام) يكون في تحديد مهر فاطمة (عليها السلام)، وكان مقدار مهرها (عليها السلام) أربعمائة درهم وديناراً، حصل عليها الإمام علي (عليه السلام) عنة طريق بيعه لدرعه الحطمية التي غنمها في معركة بدر الكبرى، والملاحظ في هذا المهر هو قيام جبرائيل (عليه السلام) بشراء هذه الدرع، وإعطاء ثمنها لعلي (عليه السلام) ثم ارجاعها إليه بعنوان الهدية . فقد ورد في الحديث أنَّه جاء بالدرع والدراهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطرحها بين يديه وقال: يا رسول الله بعت الدرع بأربعمائة درهم ودينار، وقد اشتراها دحية، وسألني أن أقبل الدرع هدية فما تأمرني؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ليس هو دحية لكنه جبرائيل، والدراهم من عند الله لتكون شرفاً وفخراً لابنتي فاطمة))([4]) . والحديث واضح الدلالة في اختصاص فاطمة بهذا التشريف الإلهي، الذي امتازت به على جميع نساء الدنيا في أمر زواجها؛ فضلاً عن ذلك فإنَّ الآثار التكوينية في مصدر مال المهر على الحياة الزوجية والذرية ما لا يخفى بيانه لأهل الإشارة والعرفان، ولو شاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يظهر ما لهذه المسألة أي أن تكون الدراهم من الله تعالى والحامل لها جبرائيل (عليه السلام) على هذا الزواج ليبين ذلك للناس، إلا أن اقتصاره على هذا القول فيه كفاية لمن أراد أن يقف على الحكمة في أن يتولى جبرائيل عن الله تعالى بذل مهر فاطمة (عليها السلام) .
دال: إن عطر فاطمة ليلة زفافها عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل ممزوج بعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
إن من الأمور التي اعتادها النساء هو الاحتياج إلى العطر ليلة الزفاف، لكن أن يكون هذا العطر من السماء، ومن أجنحة جبرائيل، وحبات عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا أمر غير اعتيادي؛ بل فريد واستثنائي كفرادة علي وفاطمة (عليهما السلام) وما تعلق بهما من أمر الدين والدنيا والآخرة. فقد روي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر نساءه بتزيين فاطمة (عليها السلام) فاستدعين من فاطمة طيباً فاتت بقارورة فسئلت عنها؟ فقالت: كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول لي أبي: يا فاطمة هاتي الوسادة فاطرحيها لعمك، فكان إذا نهض سقط من ثيابه شيء فيأمرني بجمعه، فسئل رسول الله عن ذلك فقال: هو عنبر يسقط من أجنحة جبرائيل . وأتت بماء ورد فسألت أم سلمة عنه؟ قالت: هذا عرق رسول الله كنت آخذه عند قيلولة النبي صلى الله عليه وآله وسلم))([5]) . ولعل؛ بل الأرجح أن التي أتت بماء الورد هي نفسها فاطمة (عليها السلام)، وذلك أنَّ أم سلمة قد تزوجت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد زواج فاطمة بسنتين أو ثلاث إلاّ أن هذا الفعل أي: جمع حبات تعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكرر كذلك من أم سلمة، ولعل الرواة اشتبهوا في نسب هذا الفعل إلى أم سلمة في زواج فاطمة (عليها السلام)، في حين أن التي جاءت بالعنبر الذي تساقط من أجنحة جبرائيل وبماء الورد الذي كان يتساقط من تعرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي فاطمة (عليها السلام) فكان عطرها في ليلة زفافها لعلي (عليه السلام) .
هاء: جبرائيل (عليه السلام) يهبط في سبعين ألف ملك في ليلة زفاف فاطمة (عليها السلام):
من الأزمنة التي ظهر فيها جبرائيل (عليه السلام) في حدث زواج فاطمة (عليها السلام) هو ليلة زفافها، فقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري، أنَّه قال: ((فلما كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة إلى علي (عليهما السلام)، وبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعض الطريق إذ سمع صلى الله عليه وآله وسلم وجبة([6]) فإذا هو جبرائيل في سبعين ألف، وميكائيل في سبعين ألف. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا: جئنا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام))([7]) .
واو: جبرائيل يتحف فاطمة وعليّاً (عليهما السلام) ليلة الزفاف بطعام من الجنة:
إن من الأمور التي تلازم الأعراس هو تهيئة طعام في ليلة العرس للعروسين، لكن الذي لم يحصل الا في عرس علياً وفاطمة (عليهما السلام): هو أن يأتيهما جبرائيل بهدية ليلة العرس. فقد هبط جبرائيل (عليه السلام) في زمرة من الملائكة بهدية ــ وهي عبارة عن سلة وكانت مغلقة، فلما استقر الحال بالعروسين في بيتهما ــ فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم السلة فإذا فيها كعك وموز وزبيب، فقال: هذا هدية جبرائيل، ثم اقلب يده سفرجلة فشقها نصفين، فأعطى علياً نصفاً وفاطمة نصفاً وقال: هذه هدية من الجنة إليكما))([8]) .
ياء: جبرائيل يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة زفاف فاطمة بقتل الإمام الحسين (عليه السلام)
لم تزل ليلة زفاف فاطمة (عليها السلام) استثنائية وفريدة في جميع مجرياتها حتى في حياة جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، فمن منهم يهبط عليه جبرائيل ليطلعه في ليلة زفافه على ما قضاه الله تعالى في أمر زواجه من إرزاقه بولدٍ تقتله أمته من بعده. نعم: هذا الذي حصل في ليلة زفاف علي وفاطمة (عليهما السلام) كما أخبرهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند السحر من ليلة الزفاف. فعن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ((فلما كان في آخر السحر أحسست برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهبت لأنهض، فقال: مكانك أتيتك في فراشك رحمك الله. فأدخل رجليه معنا في الدثار، ثم أخذ مدرعة كانت تحت رأس فاطمة فاستيقظت فبكى وبكت وبكيت لبكائهما. فقال لي: ما يبكيك؟! فقلت: فداك أبي وأمي يا رسول الله بكيت وبكت فاطمة فبكيت لبكائكما. فقال: أتاني جبرائيل فبشرني بفرخين يكونان لك، ثم عزيت بأحدهما وعلمت أنَّه يقتل غريباً عطشانا فبكت فاطمة حتى علا بكاؤها. ثم قالت: يا أبي لم يقتلوه وأنت جده وعلي أبوه وأنا أمه؟! قال: يا بنية لطلبهم الملك، أما إنهم سيظهر عليهم سيف لا يغمد إلا على يد المهدي من ولدك، يا علي من أحبك وأحب ذريتك فقد أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أبغضك وأبغض ذريتك فقد أبغضني ومَنْ أبغضني أبغضه الله وأدخله النار)) . جعلنا الله وإيَّاكم من محبين الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها، وممَّن يفرحون بفرحهم ويحيون أمرهم .
([1]) سورة آل عمران: 33 ــ 34.
([2]) البحار للمجلسي: ج43، ص128.
([3]) البحار للمجلسي: ج43، ص128.
([4]) دلائل الإمامة للطبري: ص13.
([5]) الوجبة: هي الصوت .
([6]) الأمالي للطوسي: ص42. المناقب لابن شهر: ج3، ص130. الدر النظيم لابن أبي حاتم: ص407. البحار للمجلسي: ج43، ص114 ــ 115.
([7]) الخرائج للراوندي: ج2، ص536؛ البحار للمجلسي: ج43، ص96.
([8]) فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن عقدة الكوفي: ص108. نوادر المعجزات لمحمد بن جرير الطبري: ص96.