دلالات النزول ومعانيه في قول الإمام علي (عليه السلام) عند دفن فاطمة (عليها السلام) ((النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ)) ثانياً: ((النازلة)) بمعنى الإنزال المكاني والموضعي

آل علي عليهم السلام

دلالات النزول ومعانيه في قول الإمام علي (عليه السلام) عند دفن فاطمة (عليها السلام) ((النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ)) ثانياً: ((النازلة)) بمعنى الإنزال المكاني والموضعي

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 12-01-2021

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي

(الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر بما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعمٍ أبتدأها، وسبوغ آلاء أسداها) وصلواته التامات الزاكيات على حبيبه وعبده ورسوله أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته «أساس الدين وعماد اليقين»([1]).
وبعد:
قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند دفنه فاطمة (عليها السلام): «النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ»([2]).
يكتنز هذا اللفظ جملة من المعارف كغيره من ألفاظ هذا النص الشريف وهو أمر قد تسالم عند أهل العلم والمعرفة بحديث ثقل القرآن وأهله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فقول منتج النص (عليه السلام): «النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ».
ينقسم إلى قسمين من المعارف المتعلقة بشأن فاطمة (عليها السلام) وشأن أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فما يتعلق بفاطمة (عليها السلام) فهو ينضوي تحت معنى قوله «النازلة» ودلالته، فهل هو (النزول المرتبي)؟؛ أو أراد بذلك النزول الذي يفيد معنى (العلو والسفل)، أي من الأعلى إلى الأسفل ويراد به: (الإنزال)؛ أو أراد بالنزول المعنى الذي يفيد (الحلول)؛ أو أنه يفيد معنى (الانتقال) من عالم إلى عالم آخر فهذه المعاني هي الأظهر من غيرها ولا شك أن البحث في معاني اللفظ واستنطاقه يرشد إلى معان ودلالات أخرى؛ ومن ثم ينبغي دراسة هذه الدلالات كي نصل الى مقاربة قصدية منتج النص (عليه السلام).
المسألة الأولى: دلالات (النزول) ومعانيه.
يرتكز البحث في المفردة على مجموعة من المعاني التي سنتناولها ضمن ما يلي:
ثانياً: «النازلة» بمعنى: الإنزال المكاني والموضعي .
وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم في آيات عدة وهي تفيد بيان نزول الكتاب، والوحي، والأمر الإلهي، والملائكة، والروح وغيرها من الآيات، وكلها تفيد معنى الإنزال من السماء إلى الأرض أو من محل إلى محل آخر.
ففي مقام بيان نزول الكتاب قال تعالى:
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[3].
{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}[4].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ..}[5].
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[6].
وفي بيان نزول والوحي قال تعالى:
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ}[7].
وفي بيان النزول من السماء إلى الأرض، قال سبحانه:
{وَلَئِنْ سَأَلْتـَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السّـَمَاءِ مَاءً فَأَحْيـَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَــا لَيـَقُولُنَّ اللَّهُ..}[8].
{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ..}[9].
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}[10].
وفي بيان الانتقال من محل إلى آخر قال عزّ وجل:
{وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}[11].
فكان الإخبار عن نزول جبرئيل (عليه السلام) من محل إلى محل آخر وهو سدرة المنتهى وغيرها من الآيات المباركة والتي تفيد معنى الانتقال من العلو إلى الأسفل كالسماء والأرض أو من محل إلى آخر.
وهذا المعنى: ينسجم مع معنى قول منتج النص (عليه السلام): «النازلة بجوارك» أي الانتقال من على سطح الأرض إلى باطنها، وهو ما يفهم من انتقال الميت إلى داخل قبره، ولكن هذا المعنى لا يكشف عن مراده (عليه السلام) وقصديته في هذا النزول، أي: من سطح الأرض إلى بطنها كما حال القبور، وذلك أن هذا البيان لا يضيف مادة معرفية جديدة في بيان شأنية الزهراء فاطمة (عليها السلام)، لا سيما وأنه (صلوات الله عليه) أراد من خلال مخاطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الخطاب هو بيان جملة من الأمور والحقائق؛ ومن ثم لا ينشغل (عليه السلام) بتعريف ما هو معرّف، أي: أن يكون معنى «النازلة بجوارك» هو انتقالها إلى قبرها من سطح الأرض إلى باطنها وهو أمر بديهي عند كل مسلم أو كتابي.
ولذا: فالنص يفيد معنى آخر، فما هو ([12])؟؟

الهوامش:
([1]) المصدر السابق: ص432.
[2] الكافي للكليني : ج1 ص459.
[3] سورة البقرة، الآية (176).
[4] سورة آل عمران، الآية (3).
[5] سورة النساء، الآية (136).
[6] سورة الإسراء، (105).
[7] سورة الشعراء، الآيتان (193-194).
[8] سورة العنكبوت، الآية (63).
[9] سورة النساء، الآية (153).
[10] سورة القدر، الآية (4).
[11] سورة النجم، الآيتان (13-14).
[12] لمزيد من الاطلاع، ينظر: فاطمة في نهج البلاغة تأليف السيد نبيل الحسني: ج1، ص190-193، ط دار الكفيل، العتبة العباسية المقدسة.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2597 Seconds