صاحب المعجزات جواد الائمة (عليه السلام)

مقالات وبحوث

صاحب المعجزات جواد الائمة (عليه السلام)

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-03-2019

صاحب المعجزات جواد الائمة (عليه السلام)

 

 

الباحث: علي فاضل الخزاعي

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خاتم الأنبياء، وسيد المرسلين، محمد وآله الطاهرين.

أما بعد...

 فالإمام الجواد هو تاسع أئمة أهل البيت، ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي أمير المؤمنين، أبو جعفر الهاشمي، العلوي، المعروف بالجواد، ويقال له ابن الرضا، كان من سَروات- أي سادة القوم ورؤسائهم-  آل بيت النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم، وكان أحد الموصوفين بالسخاء، ولذلك لقب بالجواد ولد بالمدينة في العاشر من رجب، وقيل في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة وعاش في كنف أبيه سني طفولته[1].

 

بَشَرَ النبي (صلى الله عليه وآله) بولادته فقال: (وإن الله عز وجل ركب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية مرضية وسماها عنده محمد بن علي، فهو شفيع شيعته ووارث علم جده، له علامة بينة وحجة ظاهرة، إذا ولد يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقول في دعائه: (يامن لا شبيه له ولا مثال أنت الله لا إله إلا أنت ولا خالق إلا أنت، تفني المخلوقين وتبقى، أنت حلمت عمن عصاك وفي المغفرة رضاك) من دعا بهذا الدعاء كان محمد بن علي شفيعه يوم القيامة)[2].

 

ومن معاجزه (عليه السلام) أنه تكلم في مهده والمتبادر في الذهن ان كلام الرضيع في المهد من المعجزات؛ لأن التكلم لا بد له من تعلم، ومن تفكير، والإمام عالم غير متعلم وأنه نطق بمعجزة إلهية من لدن عزيز رحيم؛ فعن حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قالت: لما حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر (عليه السلام) دعاني الرضا (عليه السلام) فقال: (يا حكيمة احضري ولادتها)، وأدخلني وإياها والقابلة بيتاً ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا، فلما أخذها الطلق طفئ المصباح - و [كان] بين يديها طست - فاغتممت بطفء المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء؛ فجاء الرضا (عليه السلام) وفتح الباب وقد فرغنا من أمره فأخذه ووضعه في المهد وقال لي: (يا حكيمة الزمي مهده)، قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع [محمد الجواد] بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: (أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله). فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن (عليه السلام)، فقلت: سمعت من هذا الصبي عجباً، فقال: (وما ذاك)، فأخبرته الخبر، فقال: (يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر)[3].

 

بقي الإمام الرضا (عليه السلام) ينتظر يوم بعد يوم ويدعو الله (عز وجل) أن يرزقه بوريث يخلفه بالإمامة الى  أن استجاب الله عز وجل له فأعطاه محمد الجواد (عليه السلام) وما روي  يؤكد ذلك؛ فعن صفوان بن يحيى قال قلت للرضا (عليه السلام) قد كنا نسألك عن الامام بعدك قبل ان يهب الله لك أبا جعفر وكنت تقول يهب الله لي غلاما وقد وهب الله لك، وأقر عيوننا ولا أرانا الله يومك فان كانت الحادثة فإلى من نفزع، فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه فقلت جعلت فداك وهو ابن ثلاث سنين فقال (عليه السلام) وما يضره ذلك قد قام عيسى (عليه السلام) بالحجة وهو ابن سنتين، ولما قبض الرضا (عليه السلام) كان سن أبي جعفر (عليه السلام) نحو سبع سنين فاختلفت الكلمة بين الناس ببغداد وفي الأمصار واجتمع الريان بن الصلت، وصفوان بن يحيى ومحمد بن حكيم وعبد الرحمن بن الحجاج ويونس بن عبد الرحمن وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمن بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجعون من المصيبة فقال لهم يونس بن عبد الرحمن دعوا البكاء من هذا الأمر والى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا يعني أبا جعفر (عليه السلام) فقام إليه الريان بن الصلت ووضع يده في حلقه ولم يزل يلطمه ويقول: أنت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك والشرك إن كان امره من الله فلو انه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه، وان لم يكن من عند الله فلو عمر الف سنة فهو واحد من الناس هذا مما ينبغي ان يفكر فيه، فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبخه وكان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد والأمصار وعلمائهم ثمانون رجلا فخرجوا إلى الحج وقصدوا المدينة ليشاهدوا أبا جعفر (عليه السلام) فلما وافوا اتوا دار أبي جعفر الصادق لأنها كانت فارغة ودخلوها وجلسوا على بساط كبير وخرج إليهم عبد الله  بن موسى فجلس وقام مناد وقال هذا ابن رسول الله فمن أراد السؤال فليسأله فسأل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب فورد على الشيعة ما حيرهم وغمهم واضطربت الفقهاء وقاموا وهموا بالانصراف، وقالوا في أنفسهم لو كان أبو جعفر (عليه السلام) يكمل جواب المسائل لما كان من عبد الله ما كان ومن الجواب بغير الواجب ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال هذا أبو جعفر فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلموا عليه فدخل (عليه السلام) وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي رجليه نعلان وامسك الناس كلهم فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائله فأجاب عنها بالحق، ففرحوا ودعوا له واثنوا عليه، وقالوا له: إنَّ عمك عبد الله أفتى بكيت وكيت، فقال لا إله إلا الله يا عم انه عظيم عند الله ان تقف غدا بين يديه فيقول لك: لم تفتى عبادي بما لم تعلم وفي الأمة من هو اعلم منك؟! وكان إسحاق بن إسماعيل ممن حج في جملتهم في تلك السنة قال إسحاق فأعددت له في رقعة عشر مسائل وكان لي حمل فقلت في نفسي ان أجابني عن مسائلي سألته ان يدعوا الله ان يجعله ذكرا فلما ألح عليه الناس بالمسائل وكان (عليه السلام) يفتي بالواجب فقمت لأخفف والرقعة معي لأساله في غد عن مسائلي، فلما نظر إلي (عليه السلام) وقال يا إسحاق قد استجاب الله دعائي فسمه احمد فقلت الحمد لله هذا هو الحجة البالغة وانصرف إلى بلده فولد له ذكرا فسماه احمد[4].

 

وهذا بحد ذاته من مواهب الكمال الالهي في مثل هكذا شخصية من نسل النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلى هذا الأساس تقلد الإمامة وهو في سن السابعة من عمره المبارك، وهذا ليس من الشيء العجيب؛ فلقد تقلد نبي الله عيسى (عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام) النبوة وهو في المهد.

 

ومن ألقابه: المختار، المرضي، والمتوكل، والمتقي، والزكي، والتقي، والمنتجب، والمرتضى، والقانع، والجواد، والعالم الرباني. ظاهر المعاني، قليل التواني، المعروف بأبي جعفر الثاني، المنتجب، المرتضى، المتوشح بالرضا، المستسلم للقضاء، له من الله أكثر، الرضا ابن الرضا، توارث الشرف كابرا عن كابر. وشهد له بذا الصوامع، استسقى عروقه من منبع النبوة، ورضعت شجرته ثدي الرسالة، وتهدلت أغصانه ثمر الإمامة، وحساب الجمل. وحساب الهند وطبقات الأسطرلاب: تسعة، تسعة، ومحمد بن علي تاسع الأئمة[5].

 

وهذا غيض من فيض لما عرف به جواد الأئمة من الكرامات والفضل والعلم ،  تلك العلوم التي لا تحصيها المجلدات، وعجزت عن حملها المكتبات، كيف لا وهو من أهل بيت قد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ليكونوا هداة بإذنه يخرجون الناس من الظلمات الى النور الى صراط العزيز الحميد، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا، والحمد لله رب العالمين.

 

الهوامش:

[1] - ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)، ج3، ص11.

 

[2] - بحار الانوار: العلامة المجلسي، ج36، ص207؛ مستدرك سفينة البحار، الشاهرودي، ج2، ص402.

 

[3] - مناقب آل أبي طالب: ابن شهراشوب، ج3، ص499؛ بحار الانوار، ج50، ص10؛ الأنوار البديهية: الشيخ عباس القمي، ص251.

 

[4] - عيون المعجزات: حسين بن عبد الوهاب، ص110.

 

[5] - موسوعة الامام الجواد (ع)، السيد الحسيني القزويني، ج1، ص26.

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2381 Seconds