موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في غزوة ذات السَّلَاسِل.

فضائل الإمام علي عليه السلام

موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في غزوة ذات السَّلَاسِل.

9K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-03-2018

موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في غزوة ذات السَّلَاسِل.

 

 البَاحِث سَلَام مَكِّيّ الطَّائِيّ:

 

الحمد له رب العالمين وصَلَّى الله تَعَالَى على رسولهِ وحَبِيبِيهِ وخَاتم أنبيائِهِ مُحَمَّد وآلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، الَّذين أذهب الله تَعَالَى عنهم الرِّجس وطَهَّرَهم تطهيراً.

أمَّا بعد:

فإن لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) فضائل كثيرة لا تُعد ولا تحصى، حتَّى وإن كانت الأشجار أقلاماً وكانت البحار مدادًا والجن والإنس جميعهم يكتبون لما استطاعوا إحصاء فضائلِهِ (عَلَيهِ السَّلَام)، وهذا ماروي عن ابن عبَّاس قال: (لو كانت البحارُ مداداً, والأَشجار أَقلاماً, والجن والإنس كتاباً لما أحصوا فضائله عليه السَّلَام)([1]).

 

فمن فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) هي عندما أرسله رسول الله(صَلَّى الله عِلِيهِ وآلِهِ) إلى ذات السَّلَاسِل، وهي من إحدى الغَزوات التَّي حَدَثَت في زمنِ رسول الله (صلَّى الله عليهِ وآلِهِ) بين جيش المسلمين والأعداء؛ فبعث النَّبِيّ(صلَّى الله عليهِ وآلِهِ) الإمام عَلِيَّ(عليهِ السَّلَامِ) إلى ذات السَّلَاسِل فأوقع بهم، وذلك بعد أن بعث إليهِم مراراً غيره من الصحابة، فرجع كل منهم إلى رسول الله (صَلَّى الله عليهِ وآلِهِ)، وتبَيَّن لَهُ أنَّهُ لم يستطِع غيره (عليهِ السَّلَام) أن يخوض هذه المهمَّة ويظفر فيها؛ فلمّا خرج الإمام عَلِيّ (عليه السلام) قام بِالسَّير لَيلاً تاركاً الجادة سَالكاً الطّرق السِّريَّة بين الجبَال؛ لأنَّ المشركين قد أقاموا رقباء على جبالهم: ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة فيأخذون حَذَرَهم واسْتعدَادهم([2]). 

فلمَّا رأى عمرو بن العاص قد فعل الإمام عَلِيّ(عَلَيهِ السَّلَام) ذلك علم أَنَّه سيظفر بهم وينتصر عليهم، فحسده واستاء من فعلهِ، وذلك نتيجة لما يكمنه بداخله من حقدٍ وكرهٍ للإمامِ عَلِيّ(عَلَيهِ السَّلَام)، فَعَلَى أثرِ ذلك احتجَّ بأن الطَّريق الذي سلكه أمير المؤمنين(عَليَهِ السَّلَام) لا خبرة له فيه وبمخاطره، فقال لأبي بكر وعمر، ووجوه السَّرِية: (إِنَّ عَلِيَّاً رجل غرّ([3]) لا خبرة له بهذه المسالك ونحن أعرف بها منه، وهذا الطَّريق الذي توجه فيه كثير السّباع، وسيلقى الناس من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو، فاسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة)([4]).

 

فردَّ أمير المؤمنين(عليهِ السَّلَام) عليهم فقال لهم: (من كان طائعاً لله ولرسوله منكم فليتبعنِيّ، ومن أراد الخلاف على الله ورسوله فلينصرف عنِّيّ)([5]).

 

وفي نص آخر: فقال لهم أمير المؤمنين(عَلَيهِ السَّلَام): (الزموا رحالكم، وكفُّوا عما لا يعنيكم، واسمعوا وأطيعوا، فإني أعلم بما أصنع)([6]).

 

فسكتوا وساروا معه، فكان يسير بهم بين الجبال بالليل ويكمن في الأودية بالنهار وصارت السباع التي فيها كالسنانير([7]) إلى أن كبس المشركين وهم غارون آمنون وقت الصبح، فظفر بالرجال والذراري والأموال، فحاز ذلك كله، وشد الرجال في الحبال كالسلاسل، فلذلك سميت" غزاة ذات السلاسل"([8]).

 

وما رويَ عن أبي عبد الله جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ الصَّادِق(عليهِمَا السَّلَامِ)، إذ أنَّهُ قَال: (وسميَّت هذه الغزوة ذات السَّلَاسل لأنَّه أُسِّر منهم وقتل وسبى وشدّ أُسَاراهم في الحبال مكَتّفين كأَنَّهم في السَّلَاسِل)([9]).

 

فنزلت على النَّبِي(صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ) قوله تَعَالَى:﴿والعاديات ضبحَا﴾([10]) إلى آخرها، فبشر النَّبيّ(صلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ) أصحابه بالفتح، وأمرهم أن يستقبلوا أمير المؤمنين(عَلَيهِ السَّلَام)، فاستقبلوه والنَّبِيّ(صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ) يقدمهم، فقاموا له صَفَّين؛ فلمَّا بصر بالنَّبِيَّ (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ) ترجَّل (عَلَيهِ السَّلَام) عن فرسه؛ فقال له النَّبِيّ (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ): (اركب فإنَّ الله ورسوله عنك راضيان)([11]).

 فبكى أمير المؤمنين (عليهِ السَّلَام) فرحاً، فقال له النَّبِيّ (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ): (يَا عَلِيّ لولا أَنَّنِيّ أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتيّ ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم؛ لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بملأٍ من النَّاس إِلَّا أخذوا التّراب من تحت قدميك)([12]).

وكان الفتح في هذه الغزوة لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَام) خاصَّة بعد أن كان لغيره فيها من الافساد ما كان، واختص (عَلَيهِ السَّلَام) من مديح النَّبِيّ (صَلَى الله عَلَيهِ وآلِهِ) فيها بفضائل لم يحصل منها شيء لغيره، وبانَ له من المنقبة فيها ما لم يشركه فيه سواه([13]).

فهذا هو مولى الموحّدين (عَلَيهِ السَّلَام) فمن مثله يحمل هكذا مناقب وفضائل غيره؟ فلا يوجد أي شخصٍ في كلِّ الكون كالإمام عَلَيّ(عَلَيهِ السَّلَام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وفي ختام موضوعنا هذا نسأل الله تَعَالَى أن يتقبَّل منَّا هذا العمل في خدمة وصيّ الرَّسول (عليه السلام) ويجعله هذا في ميزان حسناتنا أنَّهُ سميعٌ مجيب.

 الهوامش:

[1] ينظر: المناقب للخوارزمي: 32, , وميزان الاعتدال للذهبي: 3/ 466,  والكشف الحثيث لابن العجمي: 218, ولسان الميزان لابن حجر: 5/ 62, وينابيع المودة للقندوزي: 1/ 364, 2/ 254, 285.

 

[2] ينظر: الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي: 1/167.

 

[3] رجل غِر بالكسر وغرير: أي  رجل غير مجرّب، ينظر: الصّحاح للجوهري: 2/768.

 

[4] الصحيح من سيرة النَّبِيّ الأعظم(صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيهِ وآلِهِ)السيد جعفر مرتضى العاملي:20/203.

 

[5] بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي: 21/ 76.

 

[6] الصحيح من سيرة الإمام عَلِيّ(عَلَيهِ السَّلَام) للسَّيِّد جعفر مرتضى العاملي: 5/114.

 

[7] السنانير: السنور يعني: الهر، غريب الحديث للحربيّ: 2/684.

 

[8] جواهر التاريخ (السيرة النبوية) للشيخ علي الكوراني العاملي: 2/584.

 

[9] مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النَّمَّازيّ الشاهروديّ: 5/96.

 

[10] سورة العاديات : 1.

 

[11] بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي: 21/79.

 

[12] م ن.

 

[13] م ن.

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2377 Seconds