من خصائص نهج البلاغة: 4 - الإشارات التاريخية

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من خصائص نهج البلاغة: 4 - الإشارات التاريخية

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-05-2021

بقلم: د. علي الفتال

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
من خلال قراءتي ((نهج البلاغة)) بتأملٍ وتأنٍ ورويَّة، وجدت في محتواه خصائص هي بمجموعها تشكل قوانين الحياة بمفاصلها الحيوية، وأنا بتحديدي تلك الخصائص لا يعني ذلك أنني توفرت على خصائص ((النهج)) كلها بل هي بعض ما تراءى لي بعد قراءتي المتأنية تلك. لذلك أطلقتُ عليها ((من خصائص))، والتبعيض هذا الذي دلّت عليه الأداة (مِن) يعني أن ثمة خصائص أخرى يضمها كلام علي عليه السلام فاكتفيت بالذي وجدت.
وإليك قارئي العزيز هذه الخصائص
4- الإشارات التاريخية.
من خلال خطبه وأحاديثه ووصاياه ذكر عليه السلام حوادث تاريخية مثل غزوات بدر وأحد والخندق وفتح مكة ومؤتة وبيعة السقيفة والقادسية ويوم ذي قار ووصية عمر بن الخطاب في من يخلفه وحروب الجمل وصفين والنهروان وغير ذلك من الحروب والأيام والغزوات والغارات والفتن مما سنستشهد بعينات من كلامه عليه السلام لندل بأنها شكلت خصيصة قائمة بذاتها في (نهج البلاغة):
قال عليه السلام، من كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان وهويذكر ما حصل في بدر وأحد:
((فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح أصلنا، وهمّوا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا العذب، وأحلونا الخوف، واضطرونا إلى جبلٍ وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته، والرمي من وراء حومته، مؤمننا يبغي بذلك الأجر، وكافرنا يحامي عن الأصل، ومن أسلم من قريش خلوٌا مما نحن فيه، بحلفٍ يمنعه أوعشيرةٍ تقوم دونه، فهوبمكان آمن.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، إذا احمر البأس، وأحجم الناس، قدّم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حرث السيوف والأسنة، فقُتِل عبيد الله بن الحارث يوم بدر وقُتل حمزة يوم أُحُد.
وقُتل جعفر يوم مؤتة، وأراد من لوشئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة، ولكن عُجِّلت ومنيّتُهُ أُخرت..)).
وفي كتاب آخر له - عليه السلام- إلى معاوية بن أبي سفيان ذكّره بيوم بدر فقال:
((ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة، بغير قِدمٍ سابق ولا شرَفٍ باسق، ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء.
وأحذرك أن تكون متمادياً في غِرّة الأمنية، مختلف العلانية والسريرة، وقد دعوت إلى الحرب فدع الناس جانباً واخرج إليّ، واعف الفريقين من القتال.
لتعلم أينا المرين على قلبه، والمغطي على بصره!
فأنا أبوحسن، قاتل جدّك وأخيك وخالك شدخاً يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوّي؛ ما استبدلت ديناً، ولا استحدثت نبياً، وإني على المنهاج الذي تركتموه طائعين، ودخلتم فيه مكرهين)).
وفي كتاب آخر له - عليه السلام- إلى معاوية ذكّره بفتح مكة وحوادث تاريخية أخرى فقال عليه السلام:
(أما بعد فإنا كنا نحن وأنتم، على ما ذكرت من الألفة والجماعة ففرق بيننا وبينكم أمر إنا آمنا وكفرتم، واليوم إنا استقمنا وفُتنتم وما أسلم مسلمكم إلا كرهاً، وبعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حرباً.
وذكرت أني قتلت طلحة والزبير، وشرّدت بعائشة ونزلت بين المصريين، وذلك أمر غبت عنه، فلا عليك ولا العذر فيه إليك.
وذكرت أنك زائري في جمع المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم أُسر أخوك، فإن كان فيك فاسترفه، فإني أزورك فذلك جدير أن يكون الله إنما بعثني إليك للنقمة منك، وإن تزرني فكما قال أخوبني سعد:
مستقبلين رياح الصيف تضربهم بحاصب بين أغوارٍ وجلمود
وعندي السيف الذي أعضضته بجدِّك وخالك وأخيك في مقام واحد).
وفي كلام له عليه السلام يوم بيعة السقيفة إذ انتهت إليه أنباؤها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، قال عليه السلام:
((ما قالت الأنصار؟)).
قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير.
قال عليه السلام: ((فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وصّى بأن يُحسَن إلى محسنهم، ويُتجاوز عن مسيئهم!
قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟
فقال - عليه السلام-: ((لوكانت الإمامة فيهم لم تكن الوصية بهم ثم قال عليه السلام: فماذا قالت قريش؟
قالوا:
احتجّت بأنها شجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم.
فقال عليه السلام: ((احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة)).
ومن كلام له عليه السلام إلى معاوية
((أما بعد؛ فإنه أتاني منك كتاب امرئٍ ليس له بصرٌ يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتّبعه…وبعد:
وما أنت وما عثمان..؟ فإن زعمت أنك أقوى على ذلك، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكم القوم إليَّ، وأما تمييزك بينك وبين طلحة والزبير، وبين أهل الشام وأهل البصرة فلعمري ما الأمر فيها هناك إلا سواء، لأنها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار، ولا يستأنف فيها النظر. وأما شرفي في الإسلام وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، وموضعي من قريش لواستطعت دفعه لدفعته)).
ومن كلام له عليه السلام وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين:
((أما قولكم: أكل ذلك كراهة الموت؟ فوالله ما أبالي، دخلتُ إلى الموت أوخرج الموت إليَّ. وقولكم شكّاً في أهل الشام؟ فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، وتعشوإلى ضوئي، فهوأحب إليّ من أن أقتلها على ضلالة؛ وإن كانت تبوء بآثامها)).
ومن كلام له عليه السلام يوم لقائه أهل الشام بصفين: ((اللهم إليك رُفِعت الأبصار، وبُسِطت الأيدي، ونُقِلت الأقدام، ودعت الألسن، وأفضت القلوب، وتحوكم إليك في الأعمال، فاحكم بيننا وبينهم بالحق، وأنت خير الفاتحين، اللهم إنا نشكوإليك غَيبة نبينا، وقلّة عددنا، وتشتت أصواتنا، وشدّة الزمان بنا، وظهور الفتن، فأعنّا على ذلك بفتحٍ منك تعجّله، ونصرٍ تعزُّ به سلطان الحق وتظهره))..
وثمة إشارات تاريخية كثيرة في ثنايا (النهج) نكتفي منها بهذا القدر([1]).

الهوامش:
[1] لمزيد من الاطلاع ينظر: أضواء على نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد في استشهاداته الشعرية، د علي الفتال، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 256 - 263.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3392 Seconds