من أصول الأمن الفكري في نهج البلاغة: الأصل الثالث: معرفة ظلامة الإمام علي (عليه السلام)

مقالات وبحوث

من أصول الأمن الفكري في نهج البلاغة: الأصل الثالث: معرفة ظلامة الإمام علي (عليه السلام)

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-12-2020

بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي

«الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانح كل غنيمة وفضل، وكاشف كل عظيمة وأزل»([1]).
اللهم «أجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمُعلن الحق بالحق، والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صلوات الأضاليل»([2]) وعلى أهل بيته «أساس الدين وعماد اليقين»([3])
وبعد:
فإن الكتاب الذي أخرجه الإمام علي عليه السلام إلى شيعته والمسلمين عامة بعد أن سُئل عن رأيه في أبي بكر وعمر بعد حرب صفين قد احتوى على أصول الأمن الفكري، وهي على النحو الآتي:
الأصل الثالث: معرفة ما وقع من الظلم على الإمام علي عليه السلام
إن التعامل الواقعي مع القرآن والسنة النبوية يحتاج إلى كاشفية في الواقع الحياتي لدى الناس؛ بمعنى أننا لا نستطيع أن نحكم على المسلم بأنه ملتزم بالقرآن والسنة، أي بالشريعة الإسلامية ما لم يكن ذلك متحققا من خلال تعامل هذا المسلم مع الشخص الذي يُمثل وجوده وجود الشريعة.
وعليه: لن نجد عاقلاً منصفاً يخشى الله واليوم الآخر حراً في حياته محترماً أمام نفسه يستطيع أن ينكر أن الإمام علياً عليه السلام كان بعد رسول الله صلى الله عليه وآله مثالاً للقرآن والسنة فهذه الحياة التي بدأت ببيت الله وحرمه الآمن الكعبة المشرفة واختتمت ببيت الله في جامع الكوفة شهيداً في صلاته وفي محرابه لم يخالطها شيء فيه مخالفة للقرآن والسنة ومن أبى هذه الحقيقة فليأت بالبينة على نفيها؛ أو أنها متحققة في غير علي عليه السلام من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذه كتب المسلمين من الصحاح والمسانيد والمستدركات والسنن والسير والتراجم والرجال والتفاسير وغيرها مليئة بحال القوم وأحوالهم.
وعليه: فإن معرفة ما وقع على الإمام علي عليه السلام من الظلم إنما يكشف عن الظلم الذي وقع على القرآن والسنة؛ وذلك لأنه مثال القرآن والسنة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ولأن التعامل معه كان تعاملاً مع الشريعة.
ولذا فقد أظهر عليه السلام ما وقع عليه من الظلم الذي هو ظلم للقرآن والسنة فقال: 

«حتى إذا احتضر -عمر- قلت في نفسي: لن يعدلها عني فجعلني سادس ستة فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أحاج أبا بكر، وأقول:
يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين دين الحق فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لا يكون لهم في الأمر نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعاً واحداً، فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من قبلي ينالوها.
ثم قالوا: هلم فبايع وإلا جاهدناك، فبايعت مستكرهاً وصبرت محتسباً، فقال قائلهم: يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص فقلت: أنتم أحرص مني وأبعد، أأنا أحرص إذا طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله أولى به؟ أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه؟ وتحولون بيني وبينه؟! فبهتوا.
{وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَالِمِينَ}[4].
اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي، وأصغوا إنائي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى بهم منهم فسلبونيه، ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه، فاصبر كمداً متوخماً أو مت متأسفاً حنقاً فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي فظننت بهم عن الهلاك فأغضيت على القذى، وتجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار.
حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني»

وهذا البيان يكشف عن ضرورة اطلاع المسلم على مجريات الأحداث التي سعى فيها كثير من الرموز الإسلامية إلى تشتيت فكر المسلم ودفعه عن حقيقة الإسلام ورموزه الذي من تمسك بهم فقد حقق الأمن الفكري في حين أن التمسك بغير من أوصى النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بهم (القرآن وعترته أهل بيته) يعدّ من الإرهاب الفكري وهو ما يشهده العالم الإسلامي اليوم من خلال الحركات التكفيرية.([5]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة بتحقيق الشيخ قيس العطار: ص179: طبعة العتبة العلوية.
([2]) المصدر السابق: ص170.
([3]) المصدر السابق: ص432.
([4]) سورة البقرة: الآية  258.
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمن الفكري في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ص217-220.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2588 Seconds