من ضوابط فهم النص القرآني في نهج البلاغة/ ثالثاً: مرجعية أهل البيت عليهم السلام في التفسير

مقالات وبحوث

من ضوابط فهم النص القرآني في نهج البلاغة/ ثالثاً: مرجعية أهل البيت عليهم السلام في التفسير

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 19-01-2021

بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.

أما بعد:
ثالثاً: مرجعية أهل البيت عليه السلام في التفسير
اتضح أنَّ الطريق إلى فهم القرآن الكريم غير مسدود وأنَّ البيان الإلهي والذكر الحكيم بنفسه هو الطريق الهادي إلى نفسه، إلاّ أنَّ السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن ذلك لكل أحد من غير توجيه وهداية من بيانات الرسول وأهل بيته عليهم السلام.
والجواب على هذا السؤال تكفل به حديث الثقلين وغيره من الأحاديث ليثبت أنَّه لولا هداية هؤلاء للمنهج الذي ينبغي اتخاذه لاستخراج معارف القرآن الكريم لما أمكن ذلك.
فقد جاء قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مؤكداً مرجعية أهل البيت عليهم السلام إذ قال: وعندنا أهل البيت أبواب الحُكم وضياءُ الأمر([1]).
وقال أيضاً نحن شجرة النبوة، ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم([2]).
وكذلك قوله عليه السلام أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم. بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم([3])
أبانت هذه الأقوال وأكدت أهلية أهل البيت عليهم السلام وأسست لمرجعيتهم الفكرية؛ لأنهم سلالة ربيب النبوة الإمام علي عليه السلام إذ إنه ربط أهل بيته عليهم السلام بالعلم فهم مصدره ومأواه، لذا قال: "فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنهم عيش العلم وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صادق، وصامت ناطق"([4]).

فقد "عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل([5])
فكل هذه الأقوال تعني أنهم قد تمسكوا بالقرآن الكريم الذي هو مصدر كل المعارف الإلهية، وتمثلوه حتى صار مظهراً لسلوكهم، فهم حملة القرآن وعيبة علم الرحمن.
فهذه الروايات وغيرها أسَّست لمرجعية أهل البيت عليه السلام في كل ميادين المعرفة التي في مقدمتها تفسير القرآن الكريم، والناظر في كتاب نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام يمكنه أنْ يتلمس ذلك، فمن تلك الأُسس ما جاء في وصيته لابن عباس من أنَّ القرآن يحتمل وجوهاً، وأنَّ هناك من القرآن الكريم ما لا يُعلم ولا يُفهم إلا ببيان من أهل البيان وهم المعصومون عليهم السلام، ومن القرآن الكريم ما يُفهم معناه بدون حاجة ذلك، بحسب وصية الإمام عليه السلام لابن عباس إذْ إنَّ ظاهر اللفظ واضح المعنى لا ستر فيه([6]).
قال عليه السلام لابن عباس عندما بعثه للاحتجاج على الخوارج: "لا تخاصمهم بالقرآن فأنَّ القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكنْ حاججهم بالسنة فأنَّهم لنْ يجدوا عنها محيصاً"([7]).

ومفاد هذا أنَّ القرآن الكريم منه ما يمكن فهمه بأدوات متاحة، ومنه ما اختص المعصوم ببيانه وآخر ما لا بد من التوقف في تفسيره، وفي ضوء تلك الوصية أفاد ابن عباس أنَّ وجوه التفسير على أربعة أقسام: "تفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العرب بكلامها، وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعرفه إلا للّه عز وجل، فأما الذي لا يعذر أحداً بجهالته فهو ما يلزم الكافة من الشرائع التي في القرآن الكريم، وجمل دلائل التوحيد، وأما الذي تعرفه العرب بلسانها، فهو حقائق اللغة، وموضوع كلامهم، وأما الذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه، وفروع الأحكام، وأما الذي لا يعلمه إلاّ اللّه، فهو ما يجري مجرى الغيوب، وقيام الساعة"([8]).
وقطعاً أنَّ هذا القسم لا يستوي وجهاً للتفسير ما لم يُطلع الله أمناء وحيه عليه بدليل قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}([9])

وأيضاً بدلالة قول الإمام عليه السلام في تقسيمه لوجوه التفسير: "... وقسما لا يعلمه إلا الله وملائكته والراسخون في العلم وإنما فعل ذلك لئلا يدعى أهل الباطل المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمام بمن ولى أمرهم"([10]).
فجعل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هذا القسم وهو القسم الثالث من تقسيماته لكلام الله جل وعلا من مختصات الله تعالى، ومن مختصات أُمناء وحيه، كي يستوي بذلك وجهاً من وجوه التفسير.
وأما القسم الثالث من تقسيمات أبن عباس فقد قيده الإمام عليه السلام بالعالم الذي صفى ذهنه ولطف حسه، كما في قوله عليه السلام: "وقسماً لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام"([11]).
فجعل هذه الأمور كلها مقدمات لأدراك مراد الله تعالى، من قبيل "لا يمسه إلا المطهرون" إذ جعل الله سبحانه وتعالى التطهيرَ مقدمةً للمس.
فليس كل عالم يدرك مضامين القرآن الكريم بمجرد علمه، ما لم يكن مشفوعاً بالعناية واللطف الإلهيين، كي يتمكن العالم من سبر أغوار النص القرآني.

وفي ضوء هذا أفاد السيد الطباطبائي أنَّ: "المتعين في التفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه وتفسير الآية بالآية، وذلك بالتدرب بالآثار المنقولة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليه السلام وتهيئة ذوق مكتسب منها ثم الورود والله الهادي"([12]).
ولعله أراد بتهيئة الذوق الاستئناس بالضوابط التي وضعوها عبر الرواية الشريفة، لتوضيح معلم التفسير، ويمكن أنْ يُعدُّ ذلك البداية الأُولى التي يرتكزُ عليها البناء المعرفي الذي يحرص على أن يكون الفكر متعلقاً بكتاب الله تعالى وبيان مقاصده ومراميه؛ لأنَّ القرآن الكريم حمال ذو وجوه وقد تختلط مفاهيم هذه الوجوه على بعض الباحثين، فلا بد إذن من الرجوع لأهل البيت عليه السلام للاستئناس بما ورد عنهم من تفسير للقرآن الكريم، أو تأسيس لقواعد فهمه.
وقال أيضاً: "ثم وضعنا في ذيل البيانات متفرقات من أبحاث روائية نورد ما تيسر لنا إيراده من الروايات المنقولة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين من طرق العامة والخاصة..."([13])([14]).

الهوامش:
[1])) نهج البلاغة، 1/ 233.
[2])) نهج البلاغة، 1/ 215.
[3])) نهج البلاغة، 2/ 27.
[4])) نهج البلاغة، 2/ 32.
[5])) نهج البلاغة، 2/ 232.
([6]) ظ: القرآن والعقيدة، مسلم بن حمود الحسيني الحلي، 3/373.
([7]) نهج البلاغة، 3/ 126، وظ: شرح ابن أبي الحديد، 18/ 71.
([8]) تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (ت 774 هـ )، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط/2، 1420هـ - 1999 م، 2/10.
[9])) الجن، 26، 27.
[10])) وسائل الشيعة، 18/ 143.
[11])) وسائل الشيعة، 18/ 143.
([12]) الميزان، 3/77.
([13]) الميزان، 1/12.
[14]) لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي: ص97-102، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2653 Seconds