من الأمثال العربية في نهج البلاغة: 1- قوله (عليه السلام) ((لَا أَكُونُ مِثْلَ الضّبُع تَسْمَعُ الّلدم))

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة: 1- قوله (عليه السلام) ((لَا أَكُونُ مِثْلَ الضّبُع تَسْمَعُ الّلدم))

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-03-2021

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم/ الجامعة العربية

((الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
استعمل الإمام علي عليه السلام المثل العربي في مواطن كثيرة قفت عليها في كتاب نهج البلاغة وهي على النحو الآتي:
قوله عليه السلام: ((لَا أَكُونُ مِثْلَ الضّبُع تَسْمَعُ الّلدم))[1]
هذا الكلام قاله (عليه السلام) حينما أشار عليه انه لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال،  وهنا سؤال يطرح نفسه،  هل انسحب طلحة والزبير سراً كما يرى بعض المتأخرين[2]،  فهل كان علي (عليه السلام) يضيق عليهما؟ إن منهج الإمام علي (عليه السلام) لم يكن التضييق على أحد، بدليل أنه لم يضيق حتى على الخوارج الذين كانوا يكفرونه، فكيف يضيق على طلحة والزبير،  وهذا ما تعضده الروايات التاريخية فقد روى الدينوري[3] (ت 282هـ) في موافاة الزبير وطلحة لعائشة: ((وحضر الموسم،   فاستأذن الزبير وطلحة علياً في الحج فأذن لهما وقد كانت عائشة أم المؤمنين قد خرجت قبل ذلك معتمرة وعثمان محصور وذلك قبل مقتله بعشرين يوماً)).

وأورد اليعقوبي[4]: العمرة بدل الحج وروي أن علياً (عليه السلام) قال: والله ما أرادا العمرة،  ولكنهما أرادا الغدرة.
وأكد الطبري[5] هو الآخر بقوله..(استأذن طلحة والزبير علياً في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة) وذكر ابن الأثير[6] أن طلحة والزبير طلبا من علي أن (ائذن لنا نخرج من المدينة....).
وقالوا: ولما قضى الزبير وطلحة وعائشة حجهم تآمروا في مقتل عثمان فقال الزبير وطلحة لعائشة: (إن أطعتنا طلبنا بدم عثمان) قالت ((وممن تطلبون دمه؟)) قالا: أنهم قوم معروفون وأنهم بطانة علي ورؤساء أصحابه، فاخرجي معنا حتى نأتي البصرة...).
وبعد الذي كان جوابه (عليه السلام) لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال، فقال (والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم، حتى يصل إليها طالبها ويختلها راصدها .....)[7]
فالإمام علي (عليه السلام) هنا تمثل بالمثل القائل (خامري أم عامر)[8] وخامري: أي استتري،  و أم عامر و أم عمر و أم عويمر:الضبع،  يشبه بها الأحمق. وهنا تكمن قوة إدراك الإمام للمثل فتمثل به بلون آخر يحمل نفس المعنى الذي يحمله مثل (خامري أم عمر) فهو استعمل معنى المثل ليوصل الفكرة إلى من أشار عليه بأن لا يتبع طلحة و الزبير ولا يرصد لهما القتال،  فهو يبعد الوصف عن نفسه بأن إذا لم يخرج لهما بعد أن بايعاه و نكثا البيعة  سوف يصلون إليه بعد أن يعدوا العدة في مسيرها مع السيدة عائشة إلى البصرة،  فلا بد وذلك من الخروج إليها ولا ينام على طول اللدم [9].
والإمام علي (عليه السلام) تأبى له نفسه الكريمة أن يكون بهذا الموضع على ما عرف به من القوة و الشكيمة في إحقاق الحق.
ويأتي حمق الضبع كما يزعمون من أنهم إذا رموا في حجرها بحجر وضربوا بأيديهم باب الحجر فتحسبه شيئا تصيده،  فتخرج لتأخذه فتصاد عند ذلك،  ويبلغ من حمقها أن الصائد يدخل عليها و جارها،  فيقول لها: اطرقي أم الطريق،  خامري أم عامر. أي طأطئي رأسك،  فتلجأ إلى أقصى مفارها فيقول: أم عامر ليست في وجارها أم عامر نائمة،   فتمد يديها ورجليها وتستلقي،  فيدخل عليها الصائد  فيوثقها  فيقول الصائد: ابشري أم عامر،  فتشد عراقيبها،  فلا تتحرك،  ولو شاء ت أن تقتله لأمكنها ومن هذا المعنى قال الشنفرى:

(لا تقبروني إن قبري مجرّمٌ               عليكم ولكن أبشري أم عامرٍ)[10]
وتحرك الإمام علي (عليه السلام) نحو ذي قار حتى أتاه الخبر بموافاة القوم البصرة فتحرك نحوهم وصدق قوله (عليه السلام) إلى من أشار عليه بعدم إتباعهم و الرصد لهم بالقتال (...... ولكني اضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه و بالسامع المطيع العاصي المريب أبداً،  حتى يأتي على يومي فوالله مازلت مرفوعاً عن حقي مستأثرا عليه منذ قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى يوم الناس هذا) [11]،  فهو صاحب حق أخذ حقه ولا بد  من النهوض للدفاع  عنه[12].

الهوامش:
[1]- نهج البلاغة: خطبة رقم (6).
[2]- انظر: إبراهيم بيضون: الإمام علي (عليه السلام) في رؤية النهج ورواية التاريخ، منشورات دار المؤرخ العربي، بيروت 2000م ص59.
[3]- الدنيوري: ابو حنيفة أحمد بن داود (ت282هـ) الأخبار الطوال، المطبعة العلمية، بيروت، ص203
[4]- اليعقوبي: أحمد بن اسحاق (ت292هـ) تاريخ اليعقوبي، قم 1425هـ،  2/180.
[5]- تاريخ الأمم والملوك، 3/465.
[6]- ابن الأثير: علي بن محمد (ت630هـ) الكامل في التاريخ، منشورات دار صادر، بيروت 1967م 3/103، ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت276هـ) الإمامة والسياسة، تحقيق: طه محمد الزيني، منشورات دار الأندلس،  النجف 1/79.
[7]- ابن أبي الحديد: شرح النهج: 1/223.
[8]- أبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال 2/204، الميداني: مجمع الأمثال 3/204.
[9]- اللدم: صوت الحجر،  يقع بالأرض وليس بالصوت الشديد واللدم يأتي بمعنى اللطم أيضاً وهي من الألفاظ الغريبة التي تحتاج إلى تفسير من غريب كلامه (عليه السلام) أنظر: الجوهري: الصحاح 5/2029،  ابن منظور: لسان العرب ، 12/ 529،  ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث، 4/ 246.
[10]- الشنفرى: ديوان الشنفرى (ضمن مجموعة الطرائف الأدبية) لجنة التأليف والترجمة و النشر،  مصر7 193 م ص 36.
[11]- نهج البلاغة، خطبة رقم (6).
[12]لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 90 –93.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2368 Seconds