من الفكر السياسي عند الإمام علي (عليه السلام): طريق انعقاد الإمامة - الحلقة الأولى

مقالات وبحوث

من الفكر السياسي عند الإمام علي (عليه السلام): طريق انعقاد الإمامة - الحلقة الأولى

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 28-03-2021

بقلم: د. جليل منصور العريَّض – الجامعة الأولى/ تونس

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
وبعد:
لم تكن مقولات الإمام علي عليه السلام عن طريق انعقاد الإمامة لمجرد الإدلاء برأية في قضية شرعية بقصد التنظير، خاصة وان تلك المقولات تمسه مباشرة لاعتقاده بأنه صاحب حق وقطب من أقطاب سياسة عصره، لذلك لم يقبل مقولة: انعقاد الإمامة باتفاق أهل الحق والعقد لأنها فكرة استحدثت لتبرير الواقع، بل وإنها أيضاً لم تكن مستكملة الجوانب لأن معظم رؤوس أهل الحل والعقد الذين كانوا في المدينة كانوا غير متواجدين أثناء انعقاد البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة، فقد انعقدت تلك البيعة حسب معظم المصادر[1] بخمسة هم: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وأسيد بن حضير[2]، وبشير بن سعد[3]، وسالم مولى أبي حذيفة[4]، ولمجرد الاحتجاج وتسجيل الموقف على تلك البيعة يقول علي عليه السلام «واعجباه أتكون الخلافة بالصحابه، والقرابة؟ وروي له شعر في هذا المعنى ـ (طويل):

فــإن كنـت مـــلـكت أمــــورهم       فـكيف بهـــذا والمشـــيرون غيــب

وإن كنت بالقربى حجبت خصيمهم                          فـغـــيرك أولى بالـــنبي وأقـــرب[5]

فإذا كان مقياس صحة انعقاد الإمامة لأبي بكر، كما يراها عمر، هي صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله في جميع الموطن، فالأولى بها القريب اللحمة ومن صحبه صلى الله عليه وآله منذ نعومة أظافره حتى اليوم الذي الحده صلى الله عليه وآله في قبره، اما الاحتجاج «بالاختيار ورضا الجماعة»[6] فلم يثبت لغياب جل الصحابة عن السقيفة حين انعقدت البيعة، اما الاحتجاج بانعقاد البيعة قرابة الرحم من الرسول صلى الله عليه وآله حسب قول أبي بكر يوم السقيفة بشأن قريش «هم اولياؤه وعشيرته، واحق الناس بهذا الأمر بعد»[7]، فعلى ذلك المقياس بالقرابة القريبة من عترة آل البيت عليهم السلام هم احق واولى بالأمر دون سائر قريش.
ثم إن علياً عليه السلام في مجال رده على معاوية حين امتنع عن بيعته بحجة افتقاد شرط الاجماع على خلافته، يقول «لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عاملة الناس فما إلى ذلك من سبيل»[8]، فشرط الاجماع الذي اتخذه معاوية ذريعة للامتناع عن البيعة، لم يكن الا من باب طلب المستحيل، لذلك يجب على معاوية وامثاله من الذين امتنعوا عن البيعة الانقياد إلى ما تعارف الناس عليه منذ حكم أبي بكر بالرجوع إلى أهل الحل والعقد الذين «يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد ان يرجع ولا للغائب ان يختار»[9]. وفي اعتقادنا ان كل ما ورد عند الإمام علي عليه السلام عن انعقاد الإمامة بالقرابة أو باتفاق أهل الحل والعقد أو بالشورى كان لمجرد الاحتجاج على من يحاولون تبرير الواقع بعد ان تم اقراره «لأن الشورى التي قيل باستخلاف أبي بكر بمقتضاها، أو نظر إليها على انها الأساس المقرر لاختيار الخلفاء فإنها مبدأ لاحق مسبوق لم ينشأ ساعة الإستخلاف بل طرأ من بعد على الأذهان»[10]، إذ يبدو للمتتبع للنصوص المتعلقة بالإمامة في (نهج البلاغة) ان ما قيل من اتفاق أهل الحل والعقد لم يكن الا محاولة من سياسيي العصر لإضفاء شرعية على واقع فرض بالقوة، كما ان الشورى التي لاكتها الأفواه ما هي الا «مجرد اسم تلعب به الشفاه، أفرغ من مضمونه»[11]. اضف إلى ذلك بأن علياً عليه السلام لم يكن ليقيم للقرابة أية صلة بعقد الإمامة لأنه يعتقد «ان ولي محمد من اطاع الله وان بعدت لحمته، وان عدو محمد من عصى الله وان قربت قرابته»[12]، وهو كما نلاحظ رد على القرشيين الذين احتجوا على الأنصار يوم السقيفة بزعمهم انهم أولى بالخلافة لقرابتهم من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فعلي عليه السلام وان نوه بالقرابة في استحقاق الإمامة، الا انه لم يكن يقصد من ذلك سوى إقامة الحجة على من اتخذ القرابة ذريعة، لذلك فإنه «لم يضع قرابته من النبي صلى الله عليه وآله مزية ترشحه للخلافة من بعده»[13].[14].

الهوامش:
[1] راجع القلقشندي: مآثر الأنافة 1/42 فقد أورد مقالة غيره من المصادر في القضية ذاتها.
[2] اسيد بن حضير: بضم الهمزة والحاء... الانصاري الاوسي الاشهلي... اسلم قبل سعد بن معاذ على يد مصعب بن عمير بالمدينة، وكان اسلامه بعد العقبة الأولى وقبل الثانية، وكان أبو بكر يكرمه ولا يقدم عليه واحداً... آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينه وبين زيد بن حارثة. توفي في شعبان من سنة عشرين ـ أسد الغابة 1/111 وما بعدها.
[3] بشير بن سعد بن ثعلبة بن كقب بن الخزرج... شهد العقبة الثانية وبدراً واحداً والمشاهد بعدها يقال انه أول من بايع ابابكر يوم السقيفة من الأنصار وقتل يوم عين التمر مع خالد بن الوليد بعد انصرافه من اليمامة سنة اثنتي عشر ـ أسد الغابة 1/231.
[4] سالم مولى أبي حذيفة وهو سالم بن عبيدا بن ربيعة... من أهل اصطخر... هاجر إلى المدينة قبل النبي صلى الله عليه وآله...آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينه وبين معاذ بن ماعض... شهد المشاهد كلها، قتل يوم اليمامة سنة احدى عشرة من الهجرة ـ أسد الغابة 2/416.
[5] حكم ـ 187.
[6] ابن أبي الحديد السابق 18/416.
[7] تاريخ الطبري 3/220.
[8] خطب ـ 175.
[9] المصدر السابق نفسه.
[10] عبد الفتاح عبد المقصود ـ السقيفة ص 146، 264.
[11] المصدر السابق.
[12] حكم ـ 94.
[13] العقاد ـ عبقرية علي ص 111.
[14] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 183 – 186.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2460 Seconds