بقلم السيد علي الحسني:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
لا بد لنا في البدء بعرض شيء من التعريف بالحكمة، والحِكْمَةُ هي: العدل، ورجل حَكِيمٌ بمعنى: عدل حكيم، وأَحْكَمَ الأَمر: أتقنه، وأَحْكَمَتْه التجاربُ على المَثَل، وهو من ذلك، ويقال للرجل إذا كان حكيماً: قد أَحْكَمَتْه التجارِبُ. والحكيم: المتقن للأُمور([1])، والحِكْمَةُ من العلم، والحَكِيمُ العالِم وصاحب الحِكْمَة. وقد حَكُمَ أي صار حَكِيماً([2]).
ومن هنا نستوضح حكمة الله تعالى واقتضاء تقدير غيبة بعض الأنبياء وتدبيرها، حتى يتحقق الأثر ويتحصل المبتغى من الحكمة الإلهية التي يمكن تشخيصها بوجوه:
الوجه الأول: البلوى والاختبار
وأما وجه الحكمة ومقتضاها في غيبة يوسف عليه السلام فهي التمحيص والاختبار الخاص بالمؤمنين، فإنها كانت عشرين سنة أصاب يعقوب فيها الحزن والأسى، فلم يدهن فيها ولم يكتحل ولم يتطيب ولم يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيام في الجب، وفى السجن بضع سنين، وفي الملك باقي سنيه.
وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وكان بينهما مسيرة تسعة أيام، فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله ثم إلقائهم إياه في غيابة الجب، ثم بيعهم إياه بثمن بخس دراهم معدودة، ثم بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثم بالسجن بضع سنين، ثم صار إليه بعد ذلك ملك مصر، وجمع الله تعالى ذكره وشمله وأراه تأويل رؤياه.
وكان يعقوب عليه السلام يعلم أنّ يوسف عليه السلام حي لم يمت وأن الله تعالى
سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه:
{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}([3]).
وكان أهله وأقرباؤه يفندونه على ذكره ليوسف حتى أنه لما وجد ريح يوسف قال:
{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}([4]).
فلما أن جاء البشير (وهو يهودا ابنه وألقى قميص يوسف) على وجهه فارتد بصيراً،
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}([5]).
عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول:
«أتدري ما كان قميص يوسف عليه السلام؟
قال: قلت: لا.
قال: إن إبراهيم عليه السلام لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه، فلم يضره معه حر ولا برد، فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على إسحاق، وعلقه إسحاق على يعقوب، فلما ولد يوسف عليه السلام علقه عليه، فكان في عضده حتى كان من أمره ما كان، فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}، فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنة.
قلت: جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟
قال: إلى أهله.
ثم قال: كل نبي ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد صلى الله عليه وآله»([6]). فروي أن القائم عليه السلام إذا خرج يكون عليه قميص يوسف، ومعه عصا موسى، وخاتم سليمان عليهم السلام([7]).([8]).
الهوامش:
([1]) لسان العرب: ج12، ص:143.
([2]) المصدر نفسه: ج12، ص140.
([3]) يوسف: 86.
([4]) يوسف: 94.
([5]) يوسف: 96.
([6]) الكافي: ج 1 ص 232
([7]) كتاب كمال الدين وتمام النعمة: ص 145
[8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: العلامة والظهور دراسة في ضوء القرآن الكريم والسنة ونهج البلاغة: تأليف السيد علي الحسني، ط العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة: 62.