من الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام): الحسبة

مقالات وبحوث

من الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام): الحسبة

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 30-11-2021

بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
الحسبة لغةً: احتسابك الأمر، وفلان حسن الحسبة: إذا كان حسن التدبير وليس من احتساب الأجر[1].
أما اصطلاحًا: «فهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، وهي واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم»[2].
وقد أشار القرآن الكريم الى هذا النظام بقوله:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[3].
وقوله:
﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[4].

فيما أشار الإمام (عليه السلام) الى مراقبة البيع في الأسواق فقال:
«وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْل، وَأَسْعَار لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ، فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ، وَعَاقِبْ فِي غَيْرِ إِسْرَاف»[5].

وفي ذلك يقول ابن أبي الحديد يقصد الإمام (عليه السلام): «قد يكون في كثير منهم نوع من الشح والبخل فيدعوهم ذلك الى الاحتكار في الأقوات، والحيف في البياعات، والاحتكار ابتياع الغلات في أيام رخصها وإدخارها في المخازن الى أيام الغلاء والقحط»[6]. ثم يوضح المعتزلي معنى الحيف بقوله: تطفيف في الوزن والكيل وزيادة في السعر، وهو الذي عبر عنه بالتحكم وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الاحتكار، وأما التطفيف وزيادة التسعير فهو أوضح في نص الكتاب»[7]. وأما قارف حكرة فيقصد الإمام (عليه السلام) وأمره أن يؤدب فاعل ذلك من غير إسراف وذلك أنه دون المعاصي التي توجب الحدود، فغاية أمره من التعزير الإهانة والمنع[8]، وقد أشار الإمام (عليه السلام) في خطبة له طويلة في ذكر الأوزان والمكاييل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكيف يوجه خيار الناس أن يتورعوا في مكاسبهم:
«عِبَادَ اللهِ، إِنَّكُمْ وَمَا تَأْمُلُونَ مِنْ هذِهِ الدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ[9]وهو الضيف. مُؤَجَّلُونَ، وَمَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ، وَعَمَلٌ مَحْفُوظٌ، فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ، وَرُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ. وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لاَ يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلاَّ إِدْبَاراً، وَالشَّرُّ فِيهِ إِلاَّ إِقْبَالاً، وَلَا الشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً، فَهذا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ، وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ»[10].

على حين ينبه الإمام (عليه السلام) لمن يتسلم هذا المنصب بأن يكون حازمًا وأن ينصر الفقير ويساعده:
«اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً، أَوْ بَخِيلاً اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللهِ وَفْراً، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْموَاعِظِ وَقْراً»[11].
ثم يتساءلُ الإمام (عليه السلام) بقوله لهم:
«أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَ صُلَحَاؤُكُمْ وَ أَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ وَ أَيْنَ اَلْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ وَ اَلْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هَذِهِ اَلدُّنْيَا اَلدَّنِيَّةِ وَ اَلْعَاجِلَةِ اَلْمُنَغِّصَةِ[12]؟ ويذكرهم بقوله: «وَهَلْ خُلِقْتُمْ إِلاَّ فِي حُثَالَةٍ لاَ تَلْتَقِي إِلاَّ بِذَمِّهِمُ اَلشَّفَتَانِ اِسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ وَ ذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ظَهَرَ اَلْفَسَادُ فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ وَلاَ زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اَللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ هَيْهَاتَ لاَ يُخْدَعُ اَللَّهُ عَنْ جَنَّتِهِ وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِه لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر العاملين به»[13]!.([14]).

الهوامش:
[1] ابن زكريا، معجم مقاييس اللغة، مادة (حسب)، 2/60.
[2] الماوردي، الأحكام السلطانية، 240 – 241، للمزيد يُنظر: ابن تيمية، الحسبة في الاسلام، دار الكتب العلمية، (بيروت-د.ت).
[3] سورة آل عمران، (آية – 104).
[4] سورة المطففين، (الآيات – 1 – 5).
[5] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 17/61.
[6] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17/61.
[7] المصدر نفسه، 17/62.
[8] المصدر نفسه، 17/62.
[9] أثوياء: ثوى بالمكان وفيه، وربما تعدى بنفسه من باب رمى يثوي ثواء، الفيومي، المصباح المنير، مادة (ثوي)، ص60.
[10] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، خطبة (129)، 8/396.
[11] المصدر نفسه، خطبة (129)، 8/396.
[12] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، (129)، 8/396.
[13] ابن أبي الحديد، (129)، 8/396.
([14]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص 239-242.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2674 Seconds