بقلم السيد: نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
يعد أهل زمانه (عليه السلام) هم الشريحة الثانية لتلقي النص ولا شك أن هذه الشريحة كان تفاعلها متفاوت مع النص الشريف لاسيما وأن عموم النص وسياقه العام هو موجه الى المتلقي الاول وهم أبنائه (عليهم السلام).
إلا أن هذه الشريحة هي أيضاً مصدر اهتمام متبادل ومشترك بين منتج النص (عليه السلام) وبين أهل زمانه.
فمنتج النص(عليه السلام) بلحاظ تكاليفه الشرعية من موقع الإمامة يؤسس لنظام عقدي مرتكزٍ على العلاقة بين الله والعباد، وعلى نظام اجتماعي وتربوي يهدف الى تماسك هذا المجتمع وتحريك الضمائر وخلق حالة من الوعي الجمعي الذي يحفظ للأمة هيبتها وتماسكها وديموميتها.
ولذا: كانت مقاصديته ترتكز على أمرين يختصان بالشريحة الثانية، أي أهل زمانه وما يليه من الأزمنة اللاحقة، فكل هذه الأزمنة سيسري فيها آثار هذا النص الشريف، وهما:
الأمر الأول- خلق الوعي الجمعي أو الضمير الجمعي في الأمة.
الأمر الثاني- ديمومية هذا التفاعل وتحقق آثاره في الازمنة اللاحقة.
أي: لينتقل القصد من توجيه النص للشريحة الأولى، وهم أولاده، الى الشريحة الثانية وهم أهل زمانه الى الأزمنة اللاحقة، بلحاظ تغلغل هذا الفكر وتحقق الغرض من أطلاق النص في الأمة.
لذا: اختار لهذه القصدية أمر التولية لأبني فاطمة (عليهم السلام) من بيان تلك الغايات المرتكزة على أصل جعل التولية، وهي: ابتغاء وجه الله، وتكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتشريف وصلته، وتعظيم الحسن والحسين وتشريفهما ورضاهما، وتحقق رضا فاطمة (عليها السلام) بهذا الرضا كما مرَّ سابقاً.
وعليه: يتفرع المبحث الى مسألتين، وهما كالآتي:
المسألة الاولى: تحفيز الوعي الجمعي وبث الروح في ضمير الأمّة.
إنّ انطلاق منتج النص (عليه السلام) من الثوابت التي شكلت الأسس التي قام عليها الاسلام في مخاطبة متلقي النص بغض النظر عن انتمائه السببي والنسبي إليه، أي: وجه الله عز وجل وحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يجعل عملية التفاعل والتأثر بالنص دائمة مازال هناك وعي لأبناء هذه الامة الواحدة مما يساهم في بث الروح في ضميرها وتحقق الضمير الجمعي أو الوعي الجمعي في ادراك شأنية أبني فاطمة (عليهم السلام) التي اراد بيانها منتج النص بأكثر من مفهوم كمفهوم قرابتهما من رسول الله فهما أبناه (صلى الله عليه وآله) أو كمفهوم أنهما مرجعا الامة وسبيل نجاتها وباب هدايتها وطريقها لنيل رضا الله والولوج الى الجنة والتحرز من الوقوع في النار والعذاب المقيم.
أو كمفهوم شرافتهما وما لهما من الصلة برسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي يقتضي في أقل التكاليف مودتهما وتوقيرهما وصيانتهما من كل ما من شأنه أن يعرضهما للأذى.
إنّ هذه المفاهيم مرتكزة على قصدية منتج النص في تحفيز الوعي الجمعي الذي تنّبه الى أهميته وخطورته علماء الاجتماع وعلماء النفس بالدرجة الاساس ، لاسيما العالم الفرنسي (اميل دوركهايم، ت 1917م) اذ يمثل (دوركهايم نقطة تحول هامة في تاريخ التفكير الاجتماعي ونظرية علم الاجتماع فلقد تجنب كثيراً من المشكلات التي اثارها علماء الاجتماع التطويريون في القرن التاسع عشر وجعل اهتمامه على تحديد موضوع علم الاجتماع)[1].
ويعرف الوعي الجماعي بأنه (عبارة عن وعي الأفراد بالعلاقات الاجتماعية الرابطة بينهم وبتجاربهم المشتركة، وقد يتطور هذا الوعي وينموا ليحفزهم على الاشتراك في تحمل مسؤولية النهوض بمجتمعهم؛ ويترجم أيضاً بالضمير الجمعي)[2].
ولذلك:
يقودنا النص إلى قصدية تغير الواقع الاجتماعي الذي عليه الشريحة الثانية وهم أهل زمان منتج النص(عليه السلام) في رفع مستوى الوعي الجمعي والفردي في التعامل مع الحرمات والمقدسات وهما هنا -موضع الدراسة- حرمة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبضعته فاطمة وولديها (صلوات الله عليهم اجمعين)؛ ويتجلّى هذا الوعي في الأفراد حيناً وفي المجتمع حيناً آخر[3]، وهو ما سنعرض له لاحقاً.
الهوامش:
[1] تاريخ الفكر الاجتماعي، أ. د نبيل عبد الحميد الجبار: ص95/ ط1 دار دجلة/ الاردن.
[2] موسوعة علم الانسان، المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجية، لسيمور سميث: ص369، ط2، المركز القومي للترجمة - القاهرة.
([3]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ج5/ ص 101-108.