من أثار مقبولية النص: إقرار ابن أبي الحديد المعتزلي بأن صلاح الأمة والخلافة لا يكون إلا بالعترة النبوية (عليهم السلام).

آل علي عليهم السلام

من أثار مقبولية النص: إقرار ابن أبي الحديد المعتزلي بأن صلاح الأمة والخلافة لا يكون إلا بالعترة النبوية (عليهم السلام).

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 03-02-2022

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
فإن من أثار مقبولية النص عند المعتزلي، أي في أمر تولية أمير المؤمنين (عليه السلام) للحسن والحسين (عليهما السلام) على أمواله وصدقاته هو إقرار ه بأن صلاح الأمور لا يكون الا بالعترة النبوية(عليهم السلام) إذ ينتزع النص الشريف حقيقة اخرى من المتلقي، أي ابن أبي الحديد المعتزلي وهو يُظهر فيها قناعته في مجريات الأحداث التي وقعت في الأمة، كاشفاً بذاك عن أصل قصدية النص العلوي الشريف وروحه في إيصال حقيقة صلاح الأمة التي تكمن بتولي أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لقيادتها ورياستها وإمامتها، مستنداً في ذلك الى هيبة الرسالة والنبوة.
وهو أمر يلازم -بواقع الحال- مقتضيات المنصب، أي الرياسة والخلافة، معرّضاً في نفس الوقت بهؤلاء الذين جلسوا دون استحقاق في هذا المنصب؛ فضلاً عن بيانه لفشل هذه الرياسات والخلافات التي توالت في قيادة الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستعيراً عن كثير من المصطلحات الإدارية والسياسية بلفظ (الهيبة) في صدور الناس كما جاء ذلك جلياً في قوله:
(ألا ترى أن هيبة الرسالة والنبوة في صدور الناس أعظم إذا كان السلطان والحاكم في الخلق من بيت النبوة، وليس يوجد مثل هذه الهيبة والجلال في نفوس الناس للنبوة إذا كان السلطان الاعظم بعيد النسب من صاحب الدعوة [صلى الله عليه وآله] )[1].

والقول يرشد الى قصدية جديدة عند ابن أبي الحديد المعتزلي، وهي كما يلي:
1ـ إنَّ الاصلاح يبدأ بالقيادة والخلافة.
يوعز المعتزلي انحراف الناس عن قياداتها بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى جلوس السوقة والأجانب والذين ليسوا من أصله وشجرته (صلى الله عليه وآله) في مجلس الخلافة ، وهو ما جاء جليا في قوله:
(كان الأليق بالمسلمين والأولى أن يجعلوا الرياسة بعده لأهله قربة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتكريما لحرمته ، وطاعة له ، وأنفة لقدره ، صلى الله عليه وآله أن تكون ورثته سوقة ، يليهم الأجانب ، ومن ليس من شجرته وأصله) [2].
ومما لا ريب فيه أن هذا الإقرار يفرز أمرين:
الأمر الأول - حصول العلم اليقيني عند الناس باغتصاب الخلافة.
لقد علم الناس بأن هؤلاء (السوقة والأجانب) قد تصدوا لأمر هو ليس من حقهم، واغتصبوا الأمر من أهله فتمردوا على السلطة والخلافة على مرِّ الازمنة منذ بيعة السقيفة والى آخر يوم من عمر هذه الخلافة.
وما وقوع حروب (الردة) كما أسماها المؤرخون في مواجهة أبي بكر وقتل مالك بن النويرة وقومه؛ أو نفور الناس من عمر ودرته التي كانت تعلو رؤوس الصحابة وحبسه لهم في مكة والمدينة، وفرض الاقامة الجبرية عليهم، ومنعهم من كتابة العلم، والتحديث بالسنة، ورواية أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحرمة تدوينها ونشرها بين المسلمين، وغيرها من الاعمال[3].
أو انتفاضة الصحابة والتابعين على عثمان بن عفان وقتله في داره؛ فما هي الا مظاهر متعددة لعلم الناس باغتصابهم لمنصب الخلافة والرياسة، فلم يهابوهم ولم تعظم خلافتهم في نفوسهم سواء نفذ أبو بكر تهديده فيهم بقوله:
(وإن لي شيطانا يعتريني ، فإذا غضبت فاجتنبوني ، لا أوثر في أشعاركم ولا أبشاركم)[4].
أو سواء علتهم درة عمر بن الخطاب وحبسه لهم.
أو سواء علاهم سوط عثمان بن عفان كما حدث لعمّار بن ياسر (رضوان الله عليه)، أو حين نفىه لأبي ذر الغفاري من المدينة الى الربذة وقد جرده من أبسط لوازم حياته، فقد صودرت هذه المستحقات الحياتية وإنْ بخس ثمنها ، فهؤلاء وغيرهم قد علموا حقيقة هذه الخلافة والرياسة فكيف تكون لهم هيبة في نفوس الناس.
الأمر الثاني - استحقاق أهل البيت لقيادة الامة والخلافة عليهم.
إنّ الناس سواء في زمان منتج النص (عليه السلام)، أي الإمام علي(عليه السلام) أو في غيره من الأزمنة توقن أن أمر الأمة لا ينصلح إلا بوجود قيادة ورياسة وخلافة وسلطان يتولاه أهل بيت النبوة ، وذلك ليس من لحاظ أن الله تعالى جعل لهم هيبة الأنبياء (عليهم السلام) في النفوس، وإنما لكونهم أصل النبوة وشجرتها وعزتها ونورها ومعدن علمها.
وذلك أن الخلافة لا تحتاج الى الهيبة في نفس الناس فينقادون لأوامر السلطة والخلافة وانما هي نظام إدارة الدولة بعنصريها ، أي: (الراعي والرعية) وإلاّ ما هو دور الهيبة في معالجة الإدارة والسياسة والاقتصاد وشؤون الناس وحياتهم الدنيوية والآخروية.
ولذلك:
لم يشأ المعتزلي أن يفضح علناً عن هذه المقتضيات الملازمة للخلافة والرياسة وقيادة الأمة كما كان الحال في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاستعار عنها بلفظ: (الهيبة) التي لازمها بلفظ (النبوة والرسالة) وهو مالم يتحقق وجوده إلاَّ في أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، وأن المقصود من ذلك هو الإمام علي (عليه السلام). ([5]).

الهوامش:
[1] شرح نهج البلاغة : 15 ص149
[2] نفس المصدر السابق.
[3] لمزيد من الاطلاع، ينظر: الأمن الفكري في نهج البلاغة ، السيد نبيل الحسني.
[4] المصنّف ، عبد الرزاق الصنعاني (المتوفى211هـ) : ج11 ص336
([5]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ص125-128.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3902 Seconds