من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله: ((حَكَمَ فَعَدَل))

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله: ((حَكَمَ فَعَدَل))

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-06-2022

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل – الجامعة المستنصرية

((الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي: ((حَكَمَ فَعَدَل)).

تدلُّ مادَّة «حَكَمَ» في اللُّغة على المنع. جاء في (العين): «... الحكمة مرجعها إلى العدل، والعلم، والحلم. ويُقال: أَحكمَتْهُ التَّجارب، إذا كان حكيماً. وأَحْكَمَ فلانٌ عنِّي كذا، أَيْ: مَنَعَه... واسَتحْكَمَ الأَمرُ: وَثُقَ. واحتَكَمَ في ماله: إذا جازَ فيه حُكْمُه... وحَكَّمْنَا فُلاناً أَمرَنا: أَيْ: يحكُمُ بيننا... وَحكَمة اللِّجام: ما أَحاطَ بحَنَكَيْه؛ سُمِّيَ به لأنــَّها تمنعه من الجَرْي، وكلُّ شيء مَنَعْتَه من الفَساد فقد حَكَمْتَهُ وحَكَّمته وأَحكَمْتَه»[1].

وقال الرَّاغب: «حَكَمَ أَصله: منع منعا لإصلاح، ومنه سمِّيت اللِّجام: حَكَمَة الدَّابَّة، فقيل: حَكَمْتُهُ وحَكَمْتُ الدَّابَّة: مَنَعْتُهَا بالحَكَمَةِ، وأَحْكَمْتُهَا: جعلْتُ لها حَكَمَة... والحُكْم بالشَّيء: أَنْ تقضي بأَنــَّه كذا، أَو ليس بكذا، سواء أَلزمت ذلك غيره أَو لم تلزمه... والحِكْمَةُ: إصابة الحق بالعلم والعقل، فالحِكْمَةُ من الله تعالى: معرفة الأَشياء، وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفة الموجودات، وفِعْل الخيرات»[2].
وجاء في (لسان العرب): «... قيل للحاكم بين النَّاس حاكم، لأَنــَّه يمنع الظَّالم من الظُّلم... وقد حكم عليه بالأَمر يَحكُمُ حُكمَاً وحكومة، وحكم بينهم كذلك»[3].
وقال الجرجانيّ في معنى (الحكم) اصطلاحاً: «وَضْعُ الشَّيء في موضعه»[4].

ومن صفات الله ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ الحَكَم، والحكيم، والحاكم، ومعاني هذه الأَسماء متقاربة، وذكر ابن الأَثير أَنَّ الحكم، والحكيم هما بمعنى الحاكم، وهو القاضي، فهو فَعِيْل بمعنى فَاعِل، أَو هو الذي يُحكِمُ الأَشياء فيُتقنها، فهو فَعِيْل بمعنى مُفْعِل، فالله ـ تبارك وتعالى ــ هو الذي يحكم بين النَّاس بما شرَّعه في كتابه المجيد من الأَحكام والشَّرائع التي يتمثــَّلها النَّاس، فـ«الحاكم عند بعض الأُصوليِّين والفقهاء هو الله تعالى، والمحكوم عليه هو مَنْ وضع له الخطاب، أَيْ: المخاطَب بالفتح، والمحكوم به هو ما يتعلَّق به الخطاب»[5]، وبهذا المعنى ورد هذا الفعل «حَكَمَ» مرَّةً واحدةً في الخطبة، قابل فيها أَمير المؤمنين بينه وبين فعل آخر، وهو «عَدَل»، ــ وقد تقدَّم الكلام على دلالته ــ، إذ قال (عليه السلام): «وحَكَمَ فعَدَلَ»، و«حَكَمَ» فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح، والفاعل ضمير مستتر، تقديره هو، عائدٌ إلى الله ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ . وجملة (وحكم) معطوفةً على جملة (فشكر)[6].

الهوامش:
[1]. العين: 1/179.
[2]. مفردات ألفاظ القرآن: 248 و249.
[3]. لسان العرب: 12/140، و ينظر: جمهرة اللغة: 1/292، وتهذيب اللغة: 1/475، والمحيط في اللغة: 1/175.
[4]. التعريفات: 124.
[5]. كشّاف اصطلاحات الفنون: 7/144.
[6] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 87-89.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1950 Seconds